القارب الواحد والحكومات

سمعنا جلالة الملك كثيرا يؤكد على المضي بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين وأن المواطن خط أحمر وأنه هو والمواطن في قارب واحد ويؤيد مطالب الشارع ويقف من الجميع على مسافة واحدة .

وفي لقائه الأخير مع التلفزيون الأردني ( العتيد ) ومديره الذي لم يوفق بأصول إدارة الحوار والمقابلات بل كان قارءا آليا للأسئلة حيث ذلك لا يُنقص من تقديرنا لشخصه ومواهبه ومهاراته الأخرى التي تعرف عنه ، قال جلالته الكثير الذي يخلق بعض الأمل عند الناس حيث أبدى حرصه على الإصلاح وتأكيده على عدم حماية الفاسدين وإقراره بأن المواطن لا يملك ترف الإنتظار .

كذلك مما جاء في ذلك اللقاء أن "هيبة الدولة تعززها ثقة المواطن بالدولة والحكومة" كما وأشار جلالته إلى أن "صبر الدولة ليس ضعفا". كما وأكد وجود "انعدام ثقة الناس بالمؤسسات الرسمية" .

لقد بات واضحا أن الحكومات لا تقوم بما هو منوط بها من مهام تنموية تشغيلية وجذب للإستثمار وخلق للمشاريع التي تساهم في التخفيف من حدة البطالة الآخذة بالإرتفاع في ظل غياب سياسة مدروسة لدى القائمين على التعليم العالي والجامعات تعنى بتوجيه الطلاب للإقبال على التخصصات التي يحتاجها الأردن وتلبي احتياجاتنا التنموية والتشغيلية وتستجيب للجهد التخطيطي الذي من شأنه مراعاة وتوضيح ووضع ما يناسب المراحل القادمة لكن أعمار الحكومات القصيرة تلعب دورا هادما يؤدي إلى التقاعس وعدم المجازفة بإضاعة الجهد الذي يمكن أن يضيف إلى مسيرة التعليم العالي . أعمار الحكومات القصيرة خلقت, بالتالي, أنانية لدى الكثيرين من واضعي الخطط بالإستئثار بخططهم وولدت عندهم عدم الرغبة بأن تكون جهودهم مقدمة يستند عليها من يخلفهم. فالحس الوطني غائب عند الكثيرين والشعور بأنهم يعملون لرفعة الوطن أمر لا حيز له بتفكيرهم ونهجهم. وفي النهاية الوطن والمواطن هما ضحية التسيب وغياب التخطيط.


كل ما سبق وغيره الكثير مما يدور بنفس الفلك قد سمعناه مرارا وتكرارا ومن رأس الدولة ورأس السلطات الثلاثة بتشريعيتها وتنفيذيتها وقضائيتها وبالمحصلة هذه الأضلاع الثلاثة تأتمر برأسها وهو جلالة الملك حسب ما ينص دستورنا قبل التعديل وبعده . وما يدعو للإستغراب والإستهجان عدم تجاوب هذه السلطات الثلاثة لما يؤكد عليه الملك في كل مناسبة وتأكيدات جلالته تؤكد فهمه وتفهمه لأنات الشعب التي تحولت لصراخات مزعجة لا بد من معالجة أسبابها.

السؤال : ماذا نفذت السلطة التنفيذية من تلك التوجيهات والرغبات والرؤى الملكية وهي, حقيقة, ليست رؤى جديدة ؟؟ هناك سؤال محير ومقلق لكل الأردنيين وهو لماذا هذا التباطؤ أو بالأحرى المراوحة في نفس المكان من قبل الحكومات السريعة الإستنساخ ؟؟ أليست هذه مخالفة صريحة من الحكومات وضرب الطلبات الملكية بعرض الحائط؟؟ ألا يستدعي الحال سؤال هؤلاء التنفيذيين المستنذفين عن المماطلة وعدم الإنجاز للقضايا الملحة؟؟ طالما وصلت الأمور حد الإقرار من رأس النظام بعدم وجود ثقة بالمؤسسات الرسمية ، فذلك يعني إقرار بوجود خلل كبير جدا يحتاج قلب الموازين التي من شأنها إعادة هيكلة مدخلات النهج العام لهذه الحكومات بروح تأتي بمخرجات تنسجم مع راكبي القارب الواحد وتستجيب لمطالبهم المسروعة . فعلى المؤسسات الرسمية العمل على إعادة ثقة المواطن بها من خلال وضع برامج وطرح رؤى يقتنع بها المواطن وإلا ستكفر الناس بما يسمى حكومات إن لم تكن قد كفرت فعلا من شدة الضغط والإستخفاف بمدى وعيهم وإدراكهم وما جرى ويجري في بعض البلدان العربية لكفيل بفتح عيون قد أغمضت وأفواه قد كُممت وأقلام قد حُجبت. فماذا أبا الحسين أنتم منتظرون؟؟ لعلّي ألقى إجابة شافية.

"من المرفوض تغول جهة على أخرى لفرض أجنداتها الخاصة" قول جميل ويدغدغ خلجات المواطنين، وربما قول جلالته هذا سياسي بحت متعلق بالأحزاب وربما قصد الفاسدين مقابل الإصلاحيين. على أية حال, الحالتان موجودتان ولله الحمد . لكن ما نراه واقعا ملموسا ومتصدرا للمشهد هو أجندات الفاسدين الذين يحاربون بكل أسلحتهم لإجهاض الإصلاح في مهده قبل أن يرى النور حتى وصل بنا الشك بوجود نية صادقة نحو الإصلاح لحد القناعة بتبخرها من قبل شريحة كبيرة من الناس . والله هذا الذي يدور بين الناس جلالتكم فاصدع بما يريح ركاب القارب الواحد الذي أنتم وكما قلتم أحد راكبيه.

ما دام رأس الدولة يطلب علانية المضي بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين ومأسسة الإصلاح مقابل تفكبك الفساد فلماذا الحكومة تتحرك حركة موضعية لا تعود بنفع إلا على القائمين بها ؟؟ ولماذا رأس النظام نفسه لا يحاسب الجهات التنفيذية ويحمّلها مسؤولية عدم القيام بواجبها أو الإتيان بمن هم أهل لحمل المسؤولية ولديهم الإستعداد لتحقيق توجهات من هم في نفس القارب الواحد ؟؟

هناك حلقه مفقودة ، فلنحاول البحث عنها نحن من في القارب الواحد ، وأزعم زعما يماثل الجزم أن جلالته قد وضع يده عليها بوضوح ، ولم يعد لدى الحكومات والفريق المستفيد نسْبَ المراوحة وبشكل غير مباشر ومبطن لجهة خفية موحين بأن أياديهم مكبلة ولنقرأ ثانية وثالثة ما قاله جلالته " ثقة المواطن معدومة بالمؤسسات الرسمية " . كلام إلك يا جارة وافهمي يا كنة, فلتفهم الحكومة أنها الكنة التي عليها الإتعاظ بالكلام الملكي وتحقيقه واقعا. وهي الآن طليقة اليد لتثبت أنها جديرة بإدارة شعب واعٍ مدرك لما يجري ويعي احتياجاته ومتطلبات المرحلة ومليكه منسجم معه ومتفهم لما يحتاجه.

فيا سيدي جلالة الملك .........

ها قد وجدنا ضالتنا ألا وهي الحكومات المتعاقبة والمتقاعسة والمتموضعة والفاقدة لثقة المواطن. فلماذا لا تحاسب هذه الأدوات لتقاعسها عن تنفيذ رغباتكم وقناعاتكم التي تتماهى بالكامل مع من تشاركوهم ركوب القارب ؟؟

إذا عُرف السبب بطُل العجب و تحديد أسباب أية مشكلة هو نصف حلها. فها هو النصف الأول قد وضح لكم ، فعليكم بالنصف الثاني ألا وهو المحاسبة والتطهير والتبييض لكل الوزارات والأجهزه الأمنية والديوان الملكي الذي عدد موظفيه يفوق ضعفي موظفي البيت الأبيض ونحن نقرأ منذ أيام وصول المديونية لـ ( 22) مليار وفي زمن يكاد يماثل سرعة البرق لو حسبناه نسبة وتناسبا.

ولن يجدي نفعا أن يكون البديل مستنسخا عمن سبقه . الأردن مليء وغني بأبنائه الغيارى الذين انتفضوا لتحقيق العدالة الإجتماعية وقتل الفقر والإفقار الممنهج والمتعمد وانتفضوا لأنهم لم يجنوا ثمار ما يفترض أن يطبق مما تؤمنون به من رفاه للمواطن وقوة للوطن وأنتم كما قلتم جلالتكم " أنا والمواطن في قارب واحد " . ونحن نقولها خلفكم فهمّكم همنا وتطلعكم هو تطلعنا وهدفكم هو هدفنا وقاربكم هو قاربنا.

فالغرق ، لا سمح الله ، لن يستثني أحدا ممن هم في القارب الواحد وحتى نتحاشى الغرق الذي لا نتمناه لا بد من التزود بأدوات السلامة والنجاة من ردع للذين يدفعون بالإصلاح للخلف حتى صار يبدو بعيد المنال كما هي الصورة الواضحة لنا . فالمنفذون الذين يقع على كاهلهم التنفيذ ثبت تقاعسهم وهم أنفسهم, في الحقيقة, بحاجة ماسة للإصلاح في المقام الأول.

 هناك الكثير من المرجعيات والنخب السياسية الوطنية التي خبرتوها وخبرها والدكم طيب الله ثراه والتي تاق لها الناس لأنهم خبروها وجربوها وإن شاخت فهي ما زالت تراقب وتتابع بحرقة حال الوطن وإن شاخت فهي لا تزال تتغنى بالوطن وإن شاخت فهي لا تزال مؤهلة للعطاء والمشورة وكم المثل يقول"الدهن بالعتاقي" وإن أخطأوا يوما فلأنهم يعملون لكن ولاءهم وانتماءهم لا مكان فيهما للخطأ وكانوا رجالا على قدر المسؤلية وخداما للوطن لأنهم من تراب الوطن ولبناته وأعمدته الساندة .

سيدي ......

فاقد الشيء لا يعطيه ، فمن لديه الحب يعطي حبا ، ومن لديه الكره يعطي كرها ، ومن لديه الدين يعطي تقوى ، ومن لديه انتماءا وإخلاصا لوطنه لن يعطي إلا ما يدلل على انتمائه للوطن وخوفه عليه فعليك بالمنتمين المخلصين ، ومن ينسلخ من جلده يسهل عليه الإنسلاخ عن كل الذين حوله ولو كانوا أولياء نعمته فعليك بهم .

سيدي ......

لقد قلتم قول فصل في مقابلتكم المتلفزة التي كانت تأكيدا لمفاهيم نعرفها عنكم وتوجهات أقررتموها وثوابت تسمعها الحكومات قبل المواطنين، لكن لا حياة لمن تنادي ولا شيء يتغير.

سيدي .......

الشعوب لا تتحرك من فراغ ، بل لديها دوافع لتحركاتها وأسبابا لمطالبها ومحركات لانتفاضاتها ونقصا باحتياجاتها ونعلم ونؤيدكم بأن الإصلاح لا يتحقق بالتمني ولا يُنجز بكبسة زر . لكن طال الإنتظار وافتقد الأمل وعبراليأس قلوب شعبك لأننا لا نرى اليد ممدودة لتحاول الضغط على الزر ولا مساعي جادة للتخفيف من هيجان الناس ومعاناتهم ، فكيف يُطلب من الشعب التريث والصبر والانتظار ؟؟ لقد تريث الشعب طويلا وصَبَرَ صَبْرَ أيوب وانتظر كثيرا ولم يأتي (Godot) غودو حتى اكتشف أن التريث تم فهمه جهلا وخنوعا والصبر قد تم فهمه ضعفا والإنتظار تم فهمه عدم وعي فتمادى المتمادون وبغيّهم يعمهون.

سيدي ......

إني أراكم ترفضون أن يكون شعبكم بهذا السوء وأنتم في قارب واحد معه . لقد وصل التندرعند الناس أن الرئيس المصري المخلوع, خلعه الله من الحياة, حسني يطالب بمحاكمته أمام مجلس النواب الأردني ليضمن تبرئته وذلك تيمنا بتبرأته لبهلوان الخصخصة ورائد الإفقار الإقتصادي والمخطط بالإتجاه العكسي والخبير المالي والمستشار المخلص النبيه وموضع الثقة الغالية المسمى باسم عوض الله .

مولاي .....

يقول مثلنا الأردني : " إذا قالولك اثنين راسك مش عليك تلمسه ". هناك الملايين من الأردنيين مطالبهم واضحة وصحية وضرورية ولمصلحة الوطن وهذا بعضها :

_ عدم التباطؤ بمحاربة الفاسدين الذين باتت أسماؤهم معروفة وواضحة وضوح الشمس .
_ عدم لجوء الحكومات للتحايل على المواطنيين برفض كفالات الفاسدين والتحقيق معهم ومن ثم تبرأتهم .
_ تعيين حكومات من حراثي تراب الأردن الذين لم يعرفوا ترف حياة القصور ورغد العيش .
_ التعيين بالمناصب العليا بالذات على أساس الكفاءة والنزاهة ونظافة اليد .
_ مقاومة المحسوبيات والتوريث لأننا مللنا الوجوه المستنسخة .
_ توافق الأقوال مع الأفعال مبتعدين عن الشعارات التخديرية والإلهائية لشراء الوقت .
_ الاستماع لأصحاب الرؤى من رجالات الأردن الأوفياء واستصلاح وتبني ما يثبت أنه لخدمة الوطن .
_ " دَق الحديد وهو حامٍ " ما يعني كنس المخالف فورا طالما قبل بموقعه ليخدم من هم في القارب الواحد ولم يفعل .

_ عدم اعتبار الإشارة للفاسدين قتلا للشخصية فهذا يعتبر تسترا على الفاسد حيث "لا حماية لفاسد" فمن تحوم حوله الشبهات علينا مراقبته ومتابعته وتعريته والقضاء والفضائيات والمواقع الإلكترونية والصحافة مطالبة وفي الواقع مستعدة لتبييض صفحته وإعادة اعتباره إذا تبتت براءته. ومن ثبت أنه فاسد فلا تلومَنّ من يشير إلى فساده حيث " لا حماية لفاسد ". ونسجل هنا بعض الإجتهادات الإصلاحية التي تحاول تحسين الصورة لكنها لا تلامس حياة الناس اليومية.

والحكومات التي توزع الرشد والترشيد يمنة ويسرة نقول : ما الذي يمنعكم من الشروع بما يريح المواطن الذي يفترض أنكم خدامه ؟؟ وما يمنعكم بالإكتفاء بحلالكم عن حرامكم ؟؟ ولماذا تحمّلون خزينة الدولة أعباءا أنتم والدولة والمواطن بغنى عنها وبنفس الوقت تطلبون من المواطن ترشيد استهلاكه وضبط نفقاته وأنتم لا حد لنفقاتكم ولا ضابط لاستهلاككم الذي يغطيه المواطن والذي هو بنفس القارب مع جلالة الملك رئيس السلطات الثلاث ؟؟

ورئيس الحكومة مع احترامنا لشخصه وتقديرنا لوطنيته ، عندما يطل علينا يبدوعليه الملل وعدم الإكتراث وربما قبل المنصب حرجا وخجلا وكما نقول بالعامية الأردنية " جَهْدْ بَلا " ، فكيف لنا أن نؤمن بما يرمي اليه ويصرح به ويطرحه دولته من تظاهر بالحرص على المواطن وهو يشار اليه بالبنان لعدم تأييده للإصلاح ؟؟ فكيف به رئيسا للوزراء في بلد ينام ويصحوعلى وقع حديث الإصلاح ومحاربة الفساد ؟؟ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(119) سورة آل عمران.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن . والله من وراء القصد .