الحملة على مهرجان جرش
اخبار البلد
ثمَّة
حملة ظالمة وغير مبرَّرة على مهرجان جرش. لا أقصد، بذلك، الانتقادات التي يمكن
أنْ توجّه لأداء إدارة المهرجان، أو لبرامج بعض دوراته، أو لمستوى المشاركات
الفنيَّة والأدبيَّة فيه.. أحياناً. هذا موضوع آخر، وهو ضروريّ، ومِنْ واجب
المشرفين على المهرجان الانتباه إلى ملاحظات الناس بشأنه، ودراستها، والأخذ بما
هو محقّ منها ومفيد.
ما أقصده، هنا، هو الأعمال المنسَّقة التي تهدف إلى ضرب المهرجان وإضعافه وإنهاء
وجوده. وهذا أمر ليس بجديد. أذكر، على سبيل المثال، أنَّ الطريق إلى موقع
المهرجان تعرّض طوال ثلاث سنوات لإصلاحات كبيرة وتعديلات واسعة، واستُبدِل
بتحويلات كثيرة أشبه بمتاهةٍ معقَّدة تطيل زمن السفر إليه، وتكبِّد مَنْ يقصدونه
متاعب جمَّة. لكنَّه، رغم ذلك، ظلَّ يحقِّق نجاحاتٍ ملموسة.. حتَّى إنْ كانت
أقلّ ممّا يجب. وفي الوقت نفسه، كانت تجري في عمَّان محاولات دؤوبة لاختلاق
مهرجاناتٍ بديلة تتوجّه إلى بعض الشرائح البرجوازيَّة الكوزموبوليتيَّة، التي لا
يتوفَّر لديها الكثير من الشعور بالانتماء إلى البلد والشعب وخصائصهما
الثقافيَّة وهمومهما واهتماماتهما. لكنَّ هذه المهرجانات الهجينة لم تنجح في
الفوز بأيّ قسط مِنْ مكانة مهرجان جرش ودوره، وما لبثتْ أن انطفأتْ وتلاشتْ
كفقاعةٍ هشَّة مِنْ دون أنْ تترك أيّ أثر إيجابيّ.
وفجأة صدر قرار مِنْ مجلس الوزراء بإلغاء مهرجان جرش واختلاق مهرجان جديد، بدلاً
منه، اسمه مهرجان "الأردن". ولم يكن القرار مفهوماً ومقنعاً حتَّى
لمَنْ وضعوا تواقيعهم عليه. إذ كيف لبلدٍ يملك مهرجاناً ذائع الصيت، وله مكانة
محترمة لدى مختلف الأوساط الثقافيَّة والفنيَّة العربيَّة والأجنبيَّة،
وإيراداته تغطِّي نفقاته على الأقلّ.. إنْ لم تزد، ويتسابق الفنَّانون والأدباء
للمشاركة فيه، ويُقدِّمون مِنْ أجل ذلك تنازلاتٍ كبيرة في قيم أجورهم وسواها،
ويسجِّلون مشاركتهم هذه باعتزاز في سِجلّ سِيَرِهم الإبداعيَّة والحياتيَّة،
وفوق هذا وذاك، كانت إدارته محليَّة.. كيف لبلد يملك مثل هذا المهرجان، الذي كان
أحد أهمّ ثلاثة مهرجانات عربيَّة (جرش، وبعلبك، وقرطاج) أنْ يلغيه، ويُنشئ بدلاً
منه مهرجاناً مغموراً يبدأ من الصفر؛ لا تاريخ له، ولا اسم، ولا سمعة، ولا
خبرة.. الأمر الذي اضطرّ القائمين عليه إلى بذل جهود كبيرة ودفع مبالغ طائلة
للفنَّانين كأجور، لإقناعهم بالمشاركة فيه؛ كما أُوكل ترتيب برنامجه إلى شركة
أجنبيَّة، رغم وجود الكثير من الكوادر المحليَّة المتخصَّصة والمجرَّبة.
وبالتالي، فقد كانت تكاليفه بالملايين وسُجِّلتْ، كلّها، كخسائر مؤكَّدة؟!
ولقد عارضتْ رابطة الكتّاب الأردنيين ونقابة الفنَّانين الأردنيين، آنذاك، إلغاء
مهرجان جرش واختلاق مهرجان "الأردن"، بدلاً منه، بكلّ حزم ومثابرة
وعلى نطاق واسع. وما لبث مهرجان "الأردن"، الذي لم يكن له من اسمه
نصيب، إلا أنْ تكشَّف عن فضائح هائلة، عدا عن خسائره الماليَّة الضخمة؛ إذ كشفت
"العرب اليوم"، في حينه، أنَّ الشركة الأجنبيَّة ، التي تمَّ التعاقد
معها لتنظيم المهرجان.. كانت هي نفسها التي تولَّت تنظيم احتفالات الذكرى
الستّين لقيام "إسرائيل"؛ بالأحرى، الذكرى الستّين للنكبة
الفلسطينيَّة والعربيَّة. وقد شنَّت رابطة الكتّاب الأردنيين، آنذاك، حملةً
واسعة للمطالبة بإلغاء ذلك المهرجان وإعادة مهرجان جرش الذي لم يُسجَّل عليه
موقفٌ تطبيعيٌّ واحد. ولقي موقفها، ذاك، تجاوباً كبيراً ومساندةً قويَّة من
النقابات المهنيَّة والأحزاب السياسيَّة والهيئات الاجتماعيَّة المختلفة والرأي
العامّ.
ومع اندلاع موجة الحراك الشعبيّ في بلادنا وفي عددٍ من البلدان العربيَّة
الأخرى، تهيَّأت الظروف لعودة مهرجان جرش، فعاد. لكنَّ خصومه عادوا للتآمر عليه،
مِنْ جديد. وها نحن نشهد، الآن، أشكالاً أخرى من الكيد له ومحاولات تأليب الناس
عليه. وواجب الأوساط الثقافيَّة والفنَّانين والناس عموماً.. أنْ لا يسمحوا بضرب
هذا المهرجان الثقافيّ الوطنيّ الناجح مرَّةً أخرى .
اخبار البلد
|
||||
ثمَّة
حملة ظالمة وغير مبرَّرة على مهرجان جرش. لا أقصد، بذلك، الانتقادات التي يمكن
أنْ توجّه لأداء إدارة المهرجان، أو لبرامج بعض دوراته، أو لمستوى المشاركات
الفنيَّة والأدبيَّة فيه.. أحياناً. هذا موضوع آخر، وهو ضروريّ، ومِنْ واجب
المشرفين على المهرجان الانتباه إلى ملاحظات الناس بشأنه، ودراستها، والأخذ بما
هو محقّ منها ومفيد. |
||||