اللعبة الخطيرة لقوى الشد العكسي
اخبار البلد_ لميس اندوني _ على
الرغم من خطاب الملك، نتوقَّع أنْ تبدي قوى الشد العكسي النافذة المتنفذة
مزيداً من الإصرار على الإبقاء على نظام الصوت الواحد، وإنْ زيد عدد مقاعد
قائمة الوطن؛ فإنَّ لعبتها المكشوفة لم تتغيَّر، ولسوف يظل هدفها إحكام
السيطرة على السلطات التشريعية والتنفيذية لسنوات قادمة.
فالقوى المُتَنفذة ، والتي صادرت في الماضي التمثيل الشعبي، تحاول الآن استغلال المطالب الشعبية بتشكيل حكومات برلمانية، والتي سعى الملك في تلبيتها في خطابه، لإضفاء شرعية على نواياها بفرض هيمنتها على الحكومات ومجالس النواب القادمة؛ وكل ذلك سيتم باسم الديمقراطية؛ فإذا تحقق لها مرادها فما الفائدة، عندئذٍ، من تشكيل حكومات منبثقة عن مجلس النواب، وإذا ما كانت نتيجة الانتخابات محسومة للجهات المحافظة وقوى الشد العكسي؟ فحتى لو فازت فئات سياسية أخرى فستكون القوى المناوئة للإصلاح القوة الرئيسية في أي ائتلاف حكومي، هذا إذا كان هناك فرصة لقيام ائتلافات، وتكون بذلك مُسَيطِرة على الحكومة ومجلس النواب معاً.
وعليه فلن تكون هناك أي مراجعة حقيقية للسياسات الاقتصادية، والتي تحدث عنها الملك في مقابلته مع التلفزيون الأردني مساء يوم الأحد، بل واقعياً يجب أن نتوقع مراجعات لا تمس جوهر النهج الاقتصادي الذي بدأ منذ بدء سياسات الإفقار عام 1989 ، وفق وصفة صندوق النقد الدولي المجربة عالمياً لدورها في تعميق الهوة الاقتصادية بين الفئات المجتمعية وخلق الأزمات.
في عام 1989 تم سحب فتيل الأزمة بعد انفجار هبة نيسان بإعادة الحياة البرلمانية، وبعد ذلك رفع الأحكام العرفية، على أساس توسيع المشاركة السياسية في صنع القرار. شعبيا استبشرت فئات واسعة من أن التمثيل البرلماني يضمن قرارات لا تزيد الضيم والظلم على الطبقات الأشد فقراً ولكن رسميا كان الاعتقاد بأن التمثيل البرلماني كاف لإقناع الفئات الشعبية بتحمل وِزّر "التضحيات الاقتصادية".
برأيي أن الخديعة بدأت قبل فرض نظام الصوت الواحد، عام 1993، بل منذ الاستمرار بتنفيذ البرنامج النيوليبرالي بالرغم من هبة الفقراء في هبة نيسان، لأنه (أي النموذج النيوليبرالي) كان البرنامج الوحيد الذي أصرت عليه مؤسسات الإقراض الدولية ، كشرط لإعادة جدولة ديون الأردن.
الإشكالية لم تكن أردنية خالصة ، بل عالمية فنفس البرنامج فُرِض على معظم دول العالم، بما فيها دول أوروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وذلك لفتح أسواقها وربط اقتصادها بالسوق الرأسمالي العالمي.
لكن، وبسبب انهيار المعسكر الاشتراكي، فإن الكثير من الأصوات، بما فيها يسارية أردنية وعالمية، شاركت بالخديعة بتصديقها أن "لبرلة الاقتصاد" بما في ذلك عمليات خصخصة القطاع العام، تترافق عضوياً مع توسيع الحريات السياسية والعامة، أي أن انفتاح الاقتصاد يرافقه أوتوماتيكياً الانفتاح السياسي.
الأمور كانت على العكس تماماً، لأن إجراءات فتح الأسواق في كل مكان (وإن بأشكال متفاوتة) وليس فقط في الأردن، لا يرافقها تشكيل شبكة ضمان اجتماعي مما أدى إلى احتجاجات، منها على سبيل المثال لا الحصر الانتفاضات الشعبية خلال أكثر من عقدين في تونس ومصر، والتي كانت المقدمة، في رأيي ورأي الكثير من المحللين، لثورات تونس ومصر، والتي تواجه خطر إعادة إنتاج النموذج الليبرالي، وإن كان هذا ليس موضوع المقال.
في الأردن بالذات، لم يكن من الممكن توسيع المشاركة في القرار من خلال البرلمان، وفي الوقت نفسه الاستمرار في توسيع "لبرلة" الاقتصاد، بما يتبعه ذلك من تداعيات اجتماعية، فكان لا بد من فرض نظام انتخابي هو نظام الصوت الواحد لتهميش المعارضة وتقويض الرقابة التشريعية على عمليات بيع الموارد الوطنية، إضافة إلى الحاجة لتحجيم الرفض الشعبي للمفاوضات مع إسرائيل التي آدت إلى معاهدة وادي عربة.
لكن تزييف التمثيل، الذي تطلب تدخلاً سافرا في الانتخابات النيابية لتمرير قرارات تضر بالمصلحة الوطنية، لم يخدع إلا واضعيه، إذ أنه لا يمكن خداع المتضررين من سياسات تصيبهم في معيشتهم، كما دلت على ذلك هبة الجنوب عام 1989 وانتفاضة الخبز عام 1996 وانتهاء بالحركات الشعبية المطلبية والسياسية المستمرة منذ أكثر من عام.
ولذا من الضروري مقاومة الإبقاء على نظام الصوت الواحد، ليس كهدف وحيد ، بل كوسيلة لمنع مصادرة الإرادة والرقابة الشعبية وفصلها عن عملية صنع القرار.
لكن يجب التحذير من تصوير الانتخابات، حتى لو كانت نزيهة، بأنها عملية ديمقراطية تبرر سياسات الإفقار، فلا نريد خلق انطباع أن الفقير يشارك ويوافق على سياسات تكون محصلتها زيادة بؤسه، وكل ذلك باسم الديمقراطية وحق التمثيل.
فالقوى المُتَنفذة ، والتي صادرت في الماضي التمثيل الشعبي، تحاول الآن استغلال المطالب الشعبية بتشكيل حكومات برلمانية، والتي سعى الملك في تلبيتها في خطابه، لإضفاء شرعية على نواياها بفرض هيمنتها على الحكومات ومجالس النواب القادمة؛ وكل ذلك سيتم باسم الديمقراطية؛ فإذا تحقق لها مرادها فما الفائدة، عندئذٍ، من تشكيل حكومات منبثقة عن مجلس النواب، وإذا ما كانت نتيجة الانتخابات محسومة للجهات المحافظة وقوى الشد العكسي؟ فحتى لو فازت فئات سياسية أخرى فستكون القوى المناوئة للإصلاح القوة الرئيسية في أي ائتلاف حكومي، هذا إذا كان هناك فرصة لقيام ائتلافات، وتكون بذلك مُسَيطِرة على الحكومة ومجلس النواب معاً.
وعليه فلن تكون هناك أي مراجعة حقيقية للسياسات الاقتصادية، والتي تحدث عنها الملك في مقابلته مع التلفزيون الأردني مساء يوم الأحد، بل واقعياً يجب أن نتوقع مراجعات لا تمس جوهر النهج الاقتصادي الذي بدأ منذ بدء سياسات الإفقار عام 1989 ، وفق وصفة صندوق النقد الدولي المجربة عالمياً لدورها في تعميق الهوة الاقتصادية بين الفئات المجتمعية وخلق الأزمات.
في عام 1989 تم سحب فتيل الأزمة بعد انفجار هبة نيسان بإعادة الحياة البرلمانية، وبعد ذلك رفع الأحكام العرفية، على أساس توسيع المشاركة السياسية في صنع القرار. شعبيا استبشرت فئات واسعة من أن التمثيل البرلماني يضمن قرارات لا تزيد الضيم والظلم على الطبقات الأشد فقراً ولكن رسميا كان الاعتقاد بأن التمثيل البرلماني كاف لإقناع الفئات الشعبية بتحمل وِزّر "التضحيات الاقتصادية".
برأيي أن الخديعة بدأت قبل فرض نظام الصوت الواحد، عام 1993، بل منذ الاستمرار بتنفيذ البرنامج النيوليبرالي بالرغم من هبة الفقراء في هبة نيسان، لأنه (أي النموذج النيوليبرالي) كان البرنامج الوحيد الذي أصرت عليه مؤسسات الإقراض الدولية ، كشرط لإعادة جدولة ديون الأردن.
الإشكالية لم تكن أردنية خالصة ، بل عالمية فنفس البرنامج فُرِض على معظم دول العالم، بما فيها دول أوروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وذلك لفتح أسواقها وربط اقتصادها بالسوق الرأسمالي العالمي.
لكن، وبسبب انهيار المعسكر الاشتراكي، فإن الكثير من الأصوات، بما فيها يسارية أردنية وعالمية، شاركت بالخديعة بتصديقها أن "لبرلة الاقتصاد" بما في ذلك عمليات خصخصة القطاع العام، تترافق عضوياً مع توسيع الحريات السياسية والعامة، أي أن انفتاح الاقتصاد يرافقه أوتوماتيكياً الانفتاح السياسي.
الأمور كانت على العكس تماماً، لأن إجراءات فتح الأسواق في كل مكان (وإن بأشكال متفاوتة) وليس فقط في الأردن، لا يرافقها تشكيل شبكة ضمان اجتماعي مما أدى إلى احتجاجات، منها على سبيل المثال لا الحصر الانتفاضات الشعبية خلال أكثر من عقدين في تونس ومصر، والتي كانت المقدمة، في رأيي ورأي الكثير من المحللين، لثورات تونس ومصر، والتي تواجه خطر إعادة إنتاج النموذج الليبرالي، وإن كان هذا ليس موضوع المقال.
في الأردن بالذات، لم يكن من الممكن توسيع المشاركة في القرار من خلال البرلمان، وفي الوقت نفسه الاستمرار في توسيع "لبرلة" الاقتصاد، بما يتبعه ذلك من تداعيات اجتماعية، فكان لا بد من فرض نظام انتخابي هو نظام الصوت الواحد لتهميش المعارضة وتقويض الرقابة التشريعية على عمليات بيع الموارد الوطنية، إضافة إلى الحاجة لتحجيم الرفض الشعبي للمفاوضات مع إسرائيل التي آدت إلى معاهدة وادي عربة.
لكن تزييف التمثيل، الذي تطلب تدخلاً سافرا في الانتخابات النيابية لتمرير قرارات تضر بالمصلحة الوطنية، لم يخدع إلا واضعيه، إذ أنه لا يمكن خداع المتضررين من سياسات تصيبهم في معيشتهم، كما دلت على ذلك هبة الجنوب عام 1989 وانتفاضة الخبز عام 1996 وانتهاء بالحركات الشعبية المطلبية والسياسية المستمرة منذ أكثر من عام.
ولذا من الضروري مقاومة الإبقاء على نظام الصوت الواحد، ليس كهدف وحيد ، بل كوسيلة لمنع مصادرة الإرادة والرقابة الشعبية وفصلها عن عملية صنع القرار.
لكن يجب التحذير من تصوير الانتخابات، حتى لو كانت نزيهة، بأنها عملية ديمقراطية تبرر سياسات الإفقار، فلا نريد خلق انطباع أن الفقير يشارك ويوافق على سياسات تكون محصلتها زيادة بؤسه، وكل ذلك باسم الديمقراطية وحق التمثيل.