الدكتور كامل ابو جابر يوجه رسالة الى الرئيس المصري محمد مرسي....

اخبار البلد_ تحية تقدير وتبجيل وتهنئة الى شخصكم الكريم على انتخابكم رئيساً لمصر، أرض الكنانة، على أمل أن ترسو مصر بكم أخيراً الى بر الأمان والنمو والنماء.

لم تعرف بلادنا ومصر العزيزة لحظة راحة لا جسدية ولا نفسية منذ نزول جند نابليون على شواطئكم عام 1798. تقلبت عليها الأزمنة والأنظمة منذ ذلك اليوم من ولاية عثمانية الى دولة خديوية ثم استعمار بريطاني وملكية. وتعاقبت عليها الثورات من عرابي وسعد زغلول الى عبدالناصر انتهاءً باستبداد الساداتية والمباركيّة حتى جاءت ثورة 25 كانون الثاني 2012، وانني على أمل أن يأتي الربيع العربي حقاً بانتخابكم.

لقد كان البحث دوماً يا سيدي عن الشرعية ومصدرها، فهل هو الحق الالهي؟ أم أن شرعية الدولة مرتبطة بشخص الحاكم الذي نادته أجهزة الاعلام المطوَّعة والمطيعة بالقائد الملهم على الرغم من أن الالهام من صفات النبوة.

ولا ريب يا سيادة الرئيس بأن سفينة البحث عن الشرعية ترسو معك في الاعتراف لأول مرة في تاريخ مصر العتيدة، لا بل في تاريخ الأمة العربية أن مصدرها هو الشعب، الشعب الموزع على مدن وقرى وحواضر وأرياف مصر؛ حيث أنك قريب من هذا الشعب فقد كنت حتى البارحةِ ابنه واليوم أصبحت أباه. فرجائي الصادر من عَمّان اليك أن لا تنسى مصدر شرعيتك، وأن الشعب بميادين القاهرة والمنصورة والاسكندرية والاسماعيلية هو من تقف على أكتافه في نجاحك هذا.

وأرجو أن تتذكر أنك خرجت من السجن الى سدة رئاسة مصر وقاهرة المعز ومقر الأزهر الشريف، وأنك أعلنت أنك رئيس كل المصريين، وكنت بهذا الاعلان كبيراً وعلى قدر المسؤولية.

لقد اكتويت بنفسك بنار الظلم والاستبداد والحجر على الحرية والفكر، الأمر الذي لا بد وأن يحدوك الى البحث عن العدل واقساط القسط بين الناس. وقد شعرت بالسعادة لقولك مقتبساً الصدّيق.. "وُليت عليكم ولست بخيركم..” وقلت في نفسي هذا زعيمٌ انسان يعترف بانسانيته وبحدود هذه الانسانية وأحسب أن همّك الأول، وهمومك كثيرة ويداك اليوم شبه مكبلة؛ أن همك الأول هو التركيز على الحرية والعدالة الاجتماعية والبحث عن السلام الاجتماعي.

وتعلم يا سيدي أن نظرية الحكم في الاسلام قدمت "العدالة على الحرية”؛ اذ لا يمكن للأخيرة أن تتحقق دون أن يسبق وجودها العدل. وتعلم يا سيدي حقيقة أنه لم تقم يوماً دولة دينية في مختلف العصور الاسلامية ولعل أبلغ دليل على ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) نفسه وضع أول دستور لدولة مدنيّة في التاريخ وكان بوسعه أن يجعلها غير ذلك.

كلّ الأعناق تشرئب اليك ويتطلع نحوك كل من يريد الخير لهذه الأمة العربية الاسلامية بمختلف مللها ونحلها ومدنها وحواضرها وبواديها، ولعلني لن أضيف كثيراً اذا قلت لك أن كل كلمة تتفوه بها وحتى كل ايماءة ستحسب لك أو عليك وأسجل أنه أعجبني اتّزانك وتوازنك ورغبتك في التروي والتشاور قبل اتخاذ القرار.

جئت يا سيدي في لحظة لعلها الأسوأ في تاريخ أمتنا المستباحة التي تنهشها القوى الاقليمية والدولية في أطرافها وجوفها؛ أمةٌ تنزف في كل مكان وتتساوم وتتفاوض عليها وعلى مواردها وأرواح ومصائر أهلها الدول وكأننا لسنا من سكان هذا الكون. ولذا أتمنى منك التروي في اتخاذ القرار بحيث لا يكون رد فعل بل يكون قراراً صادراً عن سبق عمد واصرار وتخطيط ورؤية سابقة، وأحسب أنك بعلمك ومعرفتك وتجربتك قادر على لمّ شمل أهل مصر من مسلمين وأقباط من خلال رؤياك للمستقبل والتحديات الجِسام التي تواجهك وتواجه مصر والعرب؛ فاجعل من نور الاسلام ما يضيء دربك، واختر من الرجال والنساء من يعينك على الحمل، وتذكر أن القائد الكبير هو من يسمح لقيادات المستقبل أن تنمو وتترعرع في ظله ونحن اليوم في أمتنا أحوج ما نكون الى قيادات تجابه تحديات المستقبل القاسية داخلياً وخارجياً.

سيضغط كثيرون من حولك أن ترد على المثل بالمثل أو بما هو أبلغ منه وأتمنى عليك ألا تستمع الى نصائح أولئك؛ فالارتجالية وعدم التخطيط هي ما أوصلنا الى ما نحن فيه اليوم. كثيرون من حولك وبعضهم حسن النية، سيحاولون جرك الى حوارات ونقاشات عقائدية بعيدة عن ضرورة المرونة وحرية الحركة. انت يا سيدي وقد حصلت على ثقة أهل مصر أكبر من أن تقحم نفسك في سرداب الانتقام وتصفية الحسابات، واذا ما كان المصدر والالهام لا بد وأن يعود الى نور العقيدة، فلا بد أيضاً أن يكون ذلك في ضوء الاحتكام الى العقل وضرورات الزمان.

والدعوة الى ذلك واضحة في القرآن الكريم الذي جاءت أول كلمة فيه بصيغة الأمر "اقرأ” والقراءة هي التعقل والتبصر في ضوء العقيدة والواقع معاً. قلت أنك وصلت سدة الحكم خالي الوفاض وأرجو أن تكون كذلك في نهاية حكمك، فمصر الآن تعيش معك في أفق فجر جديد ملئه الأمل وسلاحه العمل.

وختاماً، أسأل الله العليّ القدير أن يعينك على تحملّ هذا التكليف ويجعل على يديك خير البلاد والعباد.