مأسسة الفساد في بلادنا

اخبار البلد 
تمأسس الفساد في بلادنا في هذا القرن بالذات ففي القرن الماضي كانت قضايا الفساد ترتكب من فئة صغار الموظفين أو المحاسبين , صغار الموظفين وغالبيتهم من الأذنة والمراسلين حين يحصل أحدهم على رشوة مقدارها خمسة دنانير للتعجيل بتقديم معاملته.

أو جابي في البلدية أو المجلس القروي يختلس ما جباه في ذلك اليوم بطريقة بدائية تطورت بنهاية القرن إلى أن يقطع الجابي وصلاً غير مكربن ليحصل على الفرق بين ما يأخذه من المواطن وبين ما يدفعه إلى الخزينة واذا كبر الفساد آنذاك فإن أمين الصندوق أو المحاسب بإحدى الدوائر أو المؤسسات يختلس عن طريق التزوير البدائي في القيود مبالغ زهيدة ,وبعبارة أوضح مجموع حصيلة قضايا الفساد التي نظرتها المحاكم بالقرن الماضي لا تساوي جزء بسيط من قضية واحده في هذا القرن .



فالفساد بهذه الأيام تركه صغار الموظفين وحتى المحاسبين والجباه ليمتهنه بعض مدراء الدوائر وبعض القادة الاداريين مدنيين وعسكريين .

الدائرة الأولى والتي كانت منزهه عن الفساد والافساد ومترفعة عن كل الأمور التي تهدد أمن الوطن والمواطن تعاقب عليها عدد من المدراء والجنرالات استغلوا ثقة القائد بهم ودلاله لهم مثلما استغلوا خشية الناس منهم خوفاً تارة وحباً بالوطن تارة أخرى .



كل ذلك كان يتم إلى جانب انشغال الدائرة الأمنية الأولى بأمور لا يتوجب أن تعنيها وتشغلها عن مهمتها الأساسية في الحفاظ على أمن الوطن الداخلي والخارجي , تلك الدائرة التي انشغلت في بداية هذا القرن بأمور التجارة والشركات والتعامل بالنفط والعطاءات وتزوير الانتخابات والتسلط على العباد فابتدأت قضايا بمن كان يطلق على نفسه صانع الملوك وهو الذي لم يقوى ذات يوم على صناعة نفسه وحمايتها من الجشع والطمع إلى أن زجوا به في سجن المخابرات بداية والانتقال إلى فيلا بالعقبة حيث كان يتوقع الناس أن يعتبر غيره به ليأت من بعده رجل آخر اعتقده البعض ابو ذر الغفاري ورقي إلى أعلى الرتب العسكرية بدون أن يشترك في أي معركة أو حتى أي مناورة بالذخيرة غير الحية إلى أن اقصي من منصبه ومات غريباً ليدفع الثمن بعض شركاته الذين يظهرون يوماً بعد يوم من حيتان النفط والعطاءات , ليأت من بعده خليفه له اعتبروه رئيس دائرة انتقالي وليسلم الراية إلى سكرتير أو مدير مكتب من ذكرنا من الأشاوس ويعطف عليه القائد ويعطيه أكثر من حجمه ويجعل منه منظراً لمجالس السياسات من رؤساء الحكومات ويجمع في دائرته شيوخ البلاد ورجالاتها ليحضر القائد تلك اللقاءات محاولة من القائد اعادة الاعتبار لهذا الموقع الهام الذي هشمه أولئك النفر الضال الذين أشرنا إليهم .



ويصبح السكرتير بموقع يعين الوزراء ويعين النواب ويعين الاعيان إلى أن أوصل شقيقه إلى الدوار الرابع ويعين من تريد أن يتعامل معه الأردن من الشركات ومن المستثمرين فهو الذي يمنح الجنسيات ويسحبها ويهب الأرقام الوطنية ويغدق على من يشاء من الأعوان وتمضي الأيام ويغادر موقعه في ليلة ظلماء ليستقر في بيته ويخدع الناس بنزاهته التي كان يعبر عنها بحضور الجميع وأنا منهم أنه رفض أن يقبل أي عطية من الملك بعد احالته إلى التقاعد لأن ذلك كان شرطه على القائد عندما عين في منصبه حسب ادعائه وكان يغرر بالأصدقاء بأن ما حصل عليه من مكافئة نهاية الخدمة أودعها لدى أخيه في سويسرا كي يعمل له بالتجارة ويعيش من أرباحها عيشة متواضعة وكم انطلت أحاديث الرجل على اناس كثيرين و أنا منهم ليتفاجأ الجميع بعشرات الملايين المودعة بإسمه الشخصي في البنوك الأردنية ولا يعلم أحداً عن الارصدة بالخارج مثلما يتفاجىء الناس بما ينشر من وقائع المحاكمة بما يندى له جبين الشرفاء من المسؤولين وغير المسؤولين .



وخلاصة القول حاول البعض أن يعتبر قضية الرجل تصفية حسابات بينه وبين بقية لصوص الوطن لكن التحقيق أثبت غير ذلك رغم تسلية الرجل هو وأصدقائه على مقولة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته متناسين بأن كثير من المجرمين نجوا من العقاب بفضل قاعدة ( تدرء الحدود بالشبهات ) .

فإن نفذوا من عقاب المحاكم , في ظل القوانين الوضعية التي تختلف كثيراً نتائجها عن القوانين السماوية لن ينفذوا من عقاب الباري عز وجل وإن نفذوا من عقاب المحاكم مثلما لن ينفذوا من عبارة السنة الخلق أقلام الحق .



حمى الله الأردن والأردنيين من شرور أنفسهم , وإن غداً لناظره قريب .