بالتأكيد سيدخل الاخوان الى القصر الجمهوري مع الدكتور محمد مرسي، والقول بانه رئيس لكل المصريين لا يغطي هذه الحقيقة،صحيح ان الريس يبقى هو الريس، كان ذلك قبل ثورة ٢٥ يناير وسيظل بعدها.
لكن لا يزال هناك طريق طويل امام مرسي حتى يكون رئيساً بحق. فالمجلس العسكري لم يسلم له السلطة بشكل كامل بعد ان قام بخطوته الاستباقية قبل الانتخابات حيث انتزع لنفسه ليس فقط جزءا هاما من صلاحيات الرئاسة وانما أيضاً استحواذه على سلطة التشريع، فالبلد ستحكم خلال الأشهر الاربعة المقبلة بالقوانين المؤقتة، وهي الأشهر التي سيشكل فيها المجلس العسكري اللجنة الوطنية للدستور تمهيدا لاجراء انتخابات جديدة لمجلس الشعب.
إذن الرئاسة للإخوان والتشريع للعسكر ويبقى السؤال الى من ستكون الحكومة ؟
ستكون للمستقلين وللقوى الليبرالية والثورية (او جزء منها) التي وقعت مع الدكتور محمد مرسي اتفاقا قبل اعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية تعهد فيه بتشكيل حكومة مستقلة، هذا اذا أوفى بوعده.
وفي غياب دستور يحدد صلاحيات الرئاسة وبعد حل مجلس الشعب بقرار من المحكمة الدستورية فان مصر مقبلة على مرحلة استقطاب بين ثلاث قوى. الاخوان في القصر الجمهوري والمجلس العسكري في وزارة الدفاع والحكومة المستقلة والثورية والليبرالية، مع عدم تجاهل قوة رئيسية رابعة (لا تحتاج الى استقطاب) وهي القضاء الذي اثبت انه يملك من قوة التغيير في مسار الاحداث ما يوازي القوة الشعبية في نادي التحرير.
لقد حافظ القضاء المصري على نفسه بمواجهة محاولات نزع الشرعية منه الى صالح ما سمي بالشرعية الثورية وبذلك ساهم بالحفاظ على الدولة المصرية ليسد الفراغ الحاصل بعد إسقاط النظام، تماماً كما فعلت القوات المسلحة. وعزز القضاء استقلاليته من خلال عدة قرارات تظهر عدم انحيازه: الحكم بالمؤبد على الرئيس السابق ورموز حكمه، الحكم بعدم دستورية الانتخابات وهو ما اغضب الاخوان، الحكم ببطلان (الضبطية العدلية) التي تسمح للاستخبارات العسكرية اعتقال المدنيين وهو ما يلبي مطالب الاسلاميين والقوى الثورية، التمسك بالنتيجة التي أفرزتها صناديق الاقتراع في الانتخابات الرئاسية بعد مماطلات استعادت المخاوف من تكرار سيناريوهات النظام السابق في التزوير.
مصير العلاقات بين هذه الأطراف (الاخوان، المجلس العسكري، القوى الليبرالية والقومية) سيحدد مستقبل مصر فأما استقطابات واصطفافات حادة او الوصول الى تفاهمات تقيم توازنات بين مختلف القوى بما يقود الى الاستقرار والأمن، وهنا يكون دور الرئيس محمد مرسي مركزيا في السلب والايجاب.
والتحدي الرئيس الذي يواجهه هو إطفاء المخاوف التي تجتاح قطاعات واسعة من المصريين، هذه المخاوف التى جعلت من احد أركان نظام مبارك منافسا قويا له في الانتخابات الرئاسية ف(ال١٢ مليون) مصري الذين صوتوا الى اخر رئيس وزراء في عهد مبارك ومنحوه اكثر من (٤٨) بالمئة من الأصوات لم يكونوا فلولا وانما مصريون لهم مخاوفهم من استحواذ فئة بعينها على مصر، والمخاوف من وضع دستور (لا يكتبه) جميع المصريين هي التي تمنح المجلس العسكري القوة في لعب دور الحفاظ على مدنية الدولة والحفاظ على الحريات بعد ان أظهرت بعض مداولات مجلس الشعب المنحل تطرفا نحو دولة دينية تريد ان تقحم مصر ومعها العرب في تجارب أفغانية وخمينية أثبتت انها الأشد خطرا على الاسلام لما أشاعته من موجات التكفير والاقتتال والانقسام.
لقد سمع المصريون كلاما متشددا كما تقول عضو مجلس الشورى منى مكرم عبيد، مثل فرض الجزية على الأقباط وعدم توليتهم المناصب العليا بما يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، كل ذلك يفرض تحديات كبرى على الرئيس مرسي اذا أراد لمشروعه النهضوي ان يكون للمصريين جميعا، يحقق لهم ما ثاروا من اجله من طلب للحرية والكرامة بإطار دولة مدنية تحافظ على الخصوصيات الثقافية وعلى حرية المعتقد.
كما ان عيون العرب وليس المصريين فقط مركزة على الدور الذي سيلعبه الاخوان المسلمين من القصر الرئاسي، هل سيكون مع الحرية والكرامة والديموقراطية بتطبيقاتها العالمية والإنسانية في الدولة المدنية ام اننا سنشهد محاولات بائسة لإعادة انتاج أسا ليب الاحزاب القومية في الحكم التى قادت شعوبها الى الفساد والحروب والاقتتال الاهلي !