من هم أبطال التهرب من الضرائب ؟

يسود انطباع عام بين الاردنيين ان معادلة التوزيع الضريبي غير عادلة بين المكلفين سواء كانوا قطاعات مختلفة أو أفراداً، وأن العبء الأكبر من الضرائب يقع على عاتق الغالبية العظمى من أبناء المجتمع الذين يعتقدون أنها تعتمد على جيوبهم التي تلجأ الحكومات إليها دوماً في تغطية عجزها المالي، بينما يتهرب ذوو الدخول العالية بمن فيهم الجهات التي تحقق أرباحا قياسية من دفع كامل المبالغ المترتبة عليهم ويتبعون وسائل احتيالية في عدم تسديد الاستحقاقات الضريبية!

يؤكد ذلك ما أعلنه وزير المالية قبل أيام عن إن تقديرات التهرب الضريبي في الأردن تصل إلى حوالي ثمانمئة مليون دينار سنويا، وأنه لا بد من وضع حد لهذه الظاهرة المالية المقلقة في ظل ظروف حكومية بالغة الصعوبة، إلا أنه لم يحدد من هم الذين يتهربون من دفع الضرائب المترتبة عليهم مكتفياً بالقول ان قانون ضريبة الدخل بوضعه الحالي لا يمكن القبول به، ولا بد من انسجامه مع التعديلات الدستورية وتفعيل مبدأ التصاعدية بين المكلفين وفقاً لقدراتهم المالية.

ما يؤكد عمق أزمة التهرب الضريبي وفقاً للبيانات التي أظهرتها البيانات الصادرة عن آخر نشرة شهرية للمالية العامة، أن حصيلة ضريبة الدخل من الأفراد قد تراجعت بنسبة 24% مقابل ارتفاعها على الموظفين والمستخدمين بنسبة 5.8% خلال الثلث الأول من العام الحالي، وأن ضريبة الدخل على البنوك وهي في مقدمة الشركات والمشروعات التي تتحقق عليها الضرائب في الاقتصاد الوطني قد تراجعت من نسبة 52% خلال ذات الفترة من العام الماضي إلى 46% حيث تحسنت الضرائب عن أداء الشركات في القطاعات الأخرى في حين انخفضت على البنوك والمؤسسات المالية مما يطرح تساؤلاً مشروعاً حول الأسباب المؤدية إلى ذلك، ومنها محاولات التحايل على دفع الضريبة من خلال الاعتماد على مستشارين يساعدون على النفاذ من الثغرات القانونية !

الضريبة العامة على المبيعات ليست بأحسن حال من ضريبة الدخل فيما يتعلق بالتهرب من استحقاقاتها على المكلفين ذوي الشأن، ما يدلل على ذلك أن مجلس الوزراء اتخذ مؤخراً قراراً باعفاء الأشخاص البالغين حد التسجيل ولم يسجلوا ضمن شبكة مكلفي الضريبة العامة على المبيعات، من الغرامات المالية المترتبة عليهم شريطة أن يقوموا بتسجيل أنفسهم على أن يكون هذا الإعفاء بأثر رجعي شريطة قيام المكلفين بدفع ما يستحق عليهم خلال مدة ستة أشهر، وإذا ما علمنا أن أمثال هؤلاء يقعون ضمن من تبلغ عائداتهم السنوية من أعمالهم على اختلاف أنواعها ما يزيد على خمسة وسبعين ألف دينار فيمكن تقدير حجم الضرائب التي لم يدفعوها لغاية الآن ! 


إذا ما أضفنا إلى ذلك الضرائب المالية المهدورة على شكل إعفاءات بلا حدود لما تسمى المشاريع الكبرى وما يقع منها تحت عباءة تشجيع الاستثمار المترامية الأطراف، فإن التهرب الضرائبي في الأردن يصل إلى آخر مداه على الرغم من عجز مالي مستحكم ومديونية قياسية، ولعل ما يتردد عن توجيهات نحو عقد دورتين استثنائيتين لمجلس النواب خلال الفترة المقبلة من أجل اقرار بعض القوانين والتعديلات الاقتصادية والضريبية، يسفر عن تشريعات قانونية تفرض الضرائب التصاعدية على كبار المكلفين وتسد الثغرات التي يتهرب منها من يضيعون مئات الملايين من الدنانير على الخزينة العامة المأزومة ! .