تعديلات على قانون الانتخاب

تاتي الرغبة الملكية في التعديل على قانون الانتخاب استجابة لطلب ومناشدة كثير من القوى والشخصيات السياسية والعامة التي بادرت وعكست رأيها واتصلت وابرقت..لم يكن الاخوان المسلمون وحزبهم وحدهم من طالب بالتعديل بل هناك قوى أخرى عديدة من يسار وقوميين وحتى اتجاهات وطنية عامة وليبراليين رأوا ضرورة التوسعة في القانون ليكون التمثيل الناتج عنه أوسع وأعمق واكثر عدالة..

فقد كتبت جمعية الشؤون الدولية ايضا مذكرة تطالب بذلك وناقشت ذلك وهي بصدد عقد ندوة عامة بعد منتصف هذا الشهر للبحث في جوانب تتعلق بمجمل الحياة السياسية في الأردن..


ولعل الهدية الاكبر التي أهداها الملك لشعبه في يوم عيد ميلاد ولي عهده الأمير الحسين هي الاستجابة للرغبة الشعبية المطالبة بالتعديل على قانون الانتخاب وأيضاً لقناعات الملك الشخصية بضرورة أن تأتي النتائج للانتخابات القادمة مختلفة وهذا ما يقرره ايضاً قانون الانتخاب بعد تعديلاته..


في لقائنا مجموعة من كتاب الرأي وادارتها مع رئيس الوزراء الدكتور فايز الطراونة جرى طرح العديد من الأسئلة وخاصة المتعلقة بقانون الانتخاب ورؤية الملك فيه واعادة التفويض بالتعديل للحكومة وحوارها مع غرفتي مجلس الامة النواب والاعيان بعد أن أقر الملك القانون..وهنا تبرز مجموعة من الأسئلة..


لماذا استوقف القانون الذي صوت عليه بالاقرار النواب والاعيان الملك عبد الله الثاني؟ وأين هي المواقع التي أشر اليها الملك بضرورة التغيير أو التعديل؟ وهل المقصود بالتعديل اعادة احتواء المعارضة لتدخل الى الشراكة في الانتخابات القادمة؟ أم أن القانون في صيغته المرفوعة للملك كان يعوزه التغيير لوجود ثغرات فيه؟ وهل التعديلات القادمة التي يمكن أن تحدث ستكون جذرية أم شكلية؟ وفي أي المواقع ؟ هل هي في صلب القانون المتعلق بالدوائر كما ترغب المعارضة (الاخوان المسلمون) وتتحفظ الحكومة باعتبار ذلك حقوقا مكتسبة كما يرى رئيس الوزراء أم أن التغيير سيكون في القائمة الوطنية؟ وهل سيكون هناك صوت ثالث للمرأة في المقترحات القادمة حتى تلبى مسألة تعدد الاصوات من صوت الى اثنين الى ثلاثة؟..وبالتالي الخروج من قضية تعدد الأصوات..


وهل تأخير المعارضة (الاخوان المسلمون) لموقفهم من المشاركة أو عدمه أعطى الفرصة للتعديل على القانون؟ وهل تعليق موقف المعارضة لفترة أطول (حتى الان) يمكن أن يساعد؟..وما هي مدى قناعة الحكومة بالتغيير ومدى العمق أو المساحة التي ستصلها؟..هل تقول المعارضة «نعم» وتنخرط في المشاركة؟ أم ستبقى على موقفها وخاصة الاخوان المسلمين؟ اذ ربما تستجيب قوى من المعارضة ذات الالوان الاخرى للمشاركة وتغيير رأيها الان بعد أن تدرك وجود اضافات على القانون..
الموقف الملكي كان ضربة معلم وأثبت ان الملك قدم ارادة التغيير وما زال ودعا اليها وهو يريدها حية فاعلة قادرة على الاستجابة الواضحة والعملية..


لم يرُد الملك القانون بالطريقة التقليدية لانه لا يريد أن يعيد فتح معارك على القانون الذي حصل على موافقة الاعيان والنواب ولا يريد ان يتخطى ارادة مجلس الأمة رغم أن ذلك من حقوقه الدستورية ولكنه اقر القانون وأشار الى مواقع الخلل التي يمكن باعادة التوافق عليها إن يصبح القانون اكثر تمثيلاً وعدالة..
مرة أخرى يلتقط الملك بحس المسؤول ورؤيته الشاملة للاصلاح ما لم تلتقطه اطراف عدة في الدولة أمام المتغيرات الجديدة التي تعصف بالمنطقة والاقليم والتي تستدعي كل أشكال الحوار والتوافق ومراعاة المصالح الوطنية العليا وليس اتجاها سياسياً واجتماعياً بعينه..خاصة وأن متغيرات جديدة قد طرأت..
واذا كانت الحركة الاسلامية في الأردن «الاخوان وحزبهم» قد أعطوا فرصة حتى الان بعدم حسم مشاركتهم فإنهم مدعون الى اعادة النظر في موقفهم ليأخذ بعين الاعتبار الحالة الأردنية ومعطياتها ومكوناتها وان يكون انتصار الحركة الاسلامية في مصر وغيرها دعوة لاخواننا هنا للمرونة في مواقفهم وليس دعوة للتصلب أو التصعيد أو التأزيم كما ترى بعض قياداتهم عبر تصريحاتها الاخيرة كلها...وقد يكون من المفيد الاستماع الى رأي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الذي زار الأردن في تقييمه للتجربة الأردنية في هذا السياق وحرصه على الحوار والتوافق بعيداً عن الاستقواء..


المأمول الان وقد استجاب الملك للمطالب بالتغيير لايمانه بالاصلاح ان تكون النتائج على قدر الأمل وأن يكون العمل سريعاً وسلساً ووطنياً وبعيداً عن أي أجندات ضيقة أو رؤى قاصرة أو عنعنات أو حشرجات ظلت دائماً تؤخرنا وتحشرنا في مساحات ضيقة وطرق لا تصل بنا الى الخلاص...هذه فرصة جديدة يقدمها الملك فلنهتبلها لنمضي قدماً الى الأمام...