النوايا السيئة والخوف والجهل

حين أُعلن عن فوز مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، بالرئاسة المصرية، بدا وكأن ذلك حدث في الأردن وليس في مصر. وحدث للتو نوع من التواطؤ بين النوايا السيئة والخوف والجهل. قادة إخوان الأردن تصرّفوا كالمنتصرين. همام سعيد اعتبر مرسي " نصرا للإسلام والمسلمين"! وحمزة منصور اشتطّ فاعتبره " من صنع الله " سبحانه وتعالى. حتى قاضي القضاة وممثّل الدولة، أحمد هليل، الذي تصدّر احتفال " الإخوان" بالحدث المصري، أسرف في البهجة والحبور، وصرّح : أهنئ نفسي وإخواني في الجماعة ...الخ
لا ننكر على " الإخوان" حقهم بالانتشاء لفوز أخيهم المصري بالرئاسة، لكن ليس من حقهم التهويل علينا به، وخلق حالة من التهييج وغسيل الأدمغة لتحقيق مكاسب في السياسة المحلية. لكن المدهش هو غياب الاعتراض والعقل.

دعونا نضع الحدث المصري في حدوده الواقعية. فمرسي جاء للرئاسة المصرية بالتسلّل، في فوز لا يعكس الغَلَبة الإخوانية، ولكنه يعكس اصطفاف قوى المجتمع المصري ضد مرشح النظام القديم، أحمد شفيق الذي حصل، بدوره، على أكثر من 48 بالمائة من الأصوات. ويظهر تحليل كتلة الأصوات التي حصل عليها مرسي توزّعها كالتالي: حوالي خمسة ملايين صوت إخواني وثلاثة ملايين صوت سلفي وإسلامي مستقل، وخمسة ملايين صوت ناصري ويساري وليبرالي. ولا تختلف مواقف هؤلاء عن موقفي من " الإخوان". ولكنهم أرادوا قطع الطريق على شفيق. ولو كنت مصرياً لفعلتُ مثلهم، في ظل حسابات سياسية محلية ودنيوية لا علاقة لها بالمقدسات، وطالما أن إخوان مصر هم ، في النهاية، حزب وطني مصري.

لكنني، بالمقابل، كوطني أردني سأظل ضد إخوان الأردن على طول الخط، طالما أنهم لا يعترفون بالكيان الوطني الأردني وهويته ومصالحه الاستراتيجية.

وتحليل كتلة التصويت التي فوّزت مرسي يشير إلى واقع اجتماعي سياسي مصري شديد التعقيد، وسوف ينعكس على رئاسته اعتدالاً ثقافياً ليس من صلب تفكيره ووجدانه، وإنما هو نتيجة لموازين القوى داخل المجتمع المصري.

كذلك، فإن مرسي يأتي إلى رئاسة مقيدة بصفقة مع المجلس العسكري، تحدد له صلاحياته، وتستخدم الرئيس الإخواني لإعادة بناء النظام في السياقات المحددة للدولة المصرية منذ الانقلاب الساداتي على الناصرية. أعلن مرسي موافقته الصريحة على كامب ديفيد، وتنكر لتصريحاته حول إقامة علاقات مع إيران، ولحس خطابه الجمعة في ميدان التحرير ليؤدي القسم السبت لدى الجهة التي حددها العسكر، المحكمة الدستورية. وهو ما يعني القبول بحل البرلمان وبالإعلان الدستوري المكمّل الذي يكبّل الرئاسة. حتى مدير مكتب الرئيس عيّنه العسكر.
قرأتُ برنامج مرسي في المجال الاقتصادي الاجتماعي بدقة، فلم أجد فيه سوى إنشائيات لا تمس النهج النيوليبرالي المتوحش ولا سيطرة الكمبرادور والتجّار والأثرياء، وإنما السعي لمحاربة الاحتكار والفساد. ومن المعروف أن النيوليبرالية هي أم الفساد والاحتكار. وأما المشروعات التنموية، فهي تصطدم بعقبة التمويل. والتمويل الحر الذي يحدد طبيعة تلك المشروعات الوطنية والاجتماعية، هو التمويل الوطني الذي لا مناص للحصول عليه من ضرب مصالح الكمبرادور المحلي، أما التمويل الخليجي لتلك المشروعات، فسيحدد، بدوره، طبيعتها وحدودها، ويعزز نفوذ الكمبرادور، ويعمّق تبعية مصر الخليجية، ويحرمها من ممارسة دورها القومي.

لكل ذلك، فإن رئاسة مرسي لا تعدو كونها حدثاً مصرياً داخلياً، ولن تحدث فرقاً لمصلحة جماهير الكادحين، ولن تؤدي إلى تغيير استراتيجي على المستوى الإقليمي، ولن تخرج مصر من السياقات الأميركية الخليجية، ولن تقدم شيئا لعزّة الإسلام ونهضة المسلمين. بالعكس، مرسي القابل بالسلام الإسرائيلي يتواطأ مع واشنطن والخليج لتدمير زهرة الإسلام وقلب العروبة، سورية. ويقيني أن الله (سبحانه) ورسوله (ص) لا يحبّان ذلك.