لا شك في أنَّ القرار الملكي بإعادة قانون الانتخاب إلى مجلس الأمة للتعديل سحب الفتيل من قنبلة أزمة كادت تشتعل، خاصة في ظل معاناة متزايدة لفئات شعبية واسعة نتيجة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
لكن المعركة ما زالت في بدايتها؛ لأن قوى الشد العكسي مصممة على إبقاء نظام الصوت الواحد وحصر التعديل بزيادة عدد مقاعد قائمة الوطن من 17-27، وبالتالي منع إعادة فتح النقاش في حيثيات قانون الانتخاب.
فالتدخل الملكي دل على أن قوى معارضة القانون، داخل الحراك الشعبي وخارجه، نجحت في إيصال رسالة التحذير من عواقب القانون الانتخابي، بالشكل الذي تم فرضه، على الاستقرار والتلاحم المجتمعي، لما يترتب عليه من إقصاء لفئات مهمة، لا بد من مشاركتها في تحمل أعباء تقديم حلول للأزمة السياسية والاجتماعية المرشحة للتفاقم في البلاد.
لا شك في أن قوى الشد العكسي أصبحت أكثر قوة وجسارة منذ تعيين حكومة الدكتور فايز الطراونة، وبالتالي لم توفر أي وسيلة من ضغوط على أعضاء مجلس الأمة، أعياناً ونواباً، من محاولة زرع الخوف في النفوس إلى أشكال البلطجة ضد المعارضة - بهدف تمرير قانون انتخاب يهدف إلى تقويض التمثيل وبالتالي حصر صنع القرار في حلقة ضيقة وصغيرة.
كما أنها تستغل وجودها في بعض مفاصل الدولة لممارسة نفوذها لتهميش الأصوات المعارضة، ليس فقط داخل الحراك، واستبعاد آراء شخصيات، تعتبر من رموز النظام، لكن لها تحفظات على قانون الانتخاب وإجراءات أخرى تعرقل الإصلاح والتغيير، لأن توسيع المشاركة السياسية يضعف قوى الشد العكسي ويضر بمصالحها.
أهم ورقة في يد قوى الشد العكسي هي التخويف من فوز الحركة الإسلامية، ممثلة بالإخوان المسلمين، بمعظم مقاعد مجلس النواب وبما يمثله ذلك من خطر على النظام والمجتمع، وهو خطر تبالغ فيه هذه القوى مع سبق إصرار وتعمد.
أي أن هذه القوى تصور أي نظام انتخابي مغاير، بالأخص التخلي عن نظام الصوت الواحد، على أنه سيؤدي إلى تضخيم تمثيل الإخوان المسلمين وجعله يفوق قوتهم الانتخابية الحقيقية، وفق حسابات لا نعلم كيف تم احتسابها، واعتماداً على خبراء لا نعرف هويتهم.
لكن في الوقت نفسه النظام معني بمشاركة الإخوان المسلمين، لأنَّ وجودهم داخل البرلمان يدمجهم في النظام، كما أن مشاركتهم ضرورية لإضفاء صدقية على الانتخابات، أمام الحكومات الغربية والمؤسسات الدولية.
عدا عن ذلك فإن نجاح مرشح الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي بانتخابات الرئاسة في مصر، فرض واقعا جديداً، يتطلب تعديل قانون الانتخاب لإقناع حركة الإخوان المسلمين بعدم مقاطعة الانتخابات النيابية المتوقع إجراؤها قبل نهاية العام الحالي.
أي أن قوى الشد العكسي وبالرغم من مخاوفها من الإخوان ترى فائدة في تعديل طفيف على قانون الانتخابات يؤدي إلى إحداث توازن، بين تحالفات القوى التقليدية من جهة والحركة الإسلامية بما لا يهدد مصالحها.
هذه هي على الأقل الحسابات، التي تأمل بها هذه القوى، التي ولأول مرة منذ عودة الحياة النيابية، مضطرة إلى الاعتماد على انتخابات في ظل الأجواء التي خلقها الحراك الشعبي – من مساءلة شعبية غير مسبوقة منذ الخمسيناتى- والتي لا تسمح بتدخلات سافرة كالتي شابت انتخابات عامي 2007 و2010.
إذاً عودة القانون إلى مجلس الأمة، يتم تحت ضغوط من هذه القوى المتنفذة ، وبدعم من رئيسي الحكومة ومجلس النواب، لتضييق وحصر التغيير بما يخدم استمرار نظام الصوت الواحد - باعتباره الوسيلة الأهم لمنع نشوء تيارات سياسية تضعف هيمنة القوى التقليدية.
المعركة بحاجة إلى تصعيد الضغوط على مجلسي النواب والأعيان، فبالرغم من تمرير القانون الأول يجب التذكير بحقيقة مهمة قد تكون غابت عن الأذهان، وهي أن القانون لم يحظَ بإجماع مجلس الأعيان بل بثلث أعضائه وغياب أقل من الثلث بقليل - وهذا يعني أن حوالي ثلثي أعضاء مجلس الأعيان لم يكن يرغب في تحمل مسؤولية قانون انتخاب مثير للجدل، خاصة أن الأزمة الاقتصادية تتطلب مشاركة شعبية واسعة في صنع قرارات صعبة ومفصلية.
بالمحصلة، وحتى إذا كان العامل الخارجي قوي التأثير على قرار تعديل قانون الانتخاب، فإن من الضروري التذكير بأن الحكومات الغربية، والمؤسسات الدولية، مهتمة بانتخابات نيابية مٌقّنِعة ليس حرصاً على الديمقراطية بل حماية لمصالحها من ثورات مفاجئة - فصوت المعارضة أصبح أكثر تأثيراً بفضل الحراكات الشعبية السياسية والمطلبية على السواء.