استطاع الرئيس المصري محمد مرسي في وقفته الجريئة وسط الآلاف المؤلفة من جماهير الثورة المصرية في ميدان التحرير أمس الأول، أن ينهض ذاكرة ثورية عربية كادت تندثر بفعل الاحباطات التي تعرض لها الشعب المصري أولاً، والشعب العربي ثانياً. وبفعل تلك الانكسارت القومية المتتالية التي استطاعت أن تُجمد الفعل الثوري والانقلابي لما يزيد عن الثلاثين عاماً أو أكثر.
نعم، لقد استطاع الرئيس المصري الجديد الخارج من رحم الشعب المصري، ومن رحم فقراء مصر تحديداً، أن يعيد لنا ذاكرة القادة العرب في خمسينيات القرن الفائت، وقدرتهم الجريئة على الانخراط بالجماهير والتعبير عن أدق مشاعرهم، والتعبير عن آمالهم الملّحة في التحرر والانعتاق من الاستعمار.
الرئيس المصري الجديد محمد مرسي الذي خرج في خطابه عن البروتكولات الخاصة بالحماية الرئاسية التي كانت تحيط به، حين كشف عن صدره ليقول «ها أنا جئتكم بلا واق من الرصاص» استطاع أن يُعيدنا الى ذاكرة ناصرية كان فيها الزعيم جمال عبد الناصر يرتجل خطابه الثوري وسط الجماهير «مع فارق المرجعية الثورية بين الزعيمين اسلامياً وناصرياً».
خطاب الرئيس المصري الجديد الذي استطاع أن يُعيد لمصر العرب عافيتها الثورية، ودورها الاقليمي المؤثر تاريخياً في المنطقة العربية عموماً، يجب علينا أن نقول انه جاء بعد خرس ثوري طويل، اختلط فيها الحابل الثوري بالنابل العميل والخائن، وأن المستجدات التي تراكمت على صدر المواطن المصري والعربي، بعد هذا الخرس الجماهيري الطويل زمنياً، قد خلّف تركة ثقيلة ليس من السهل اطلاقاً التخلص من أمراضها المستديمة.
ففي زمن المصالح الدولية التي انقلب فيها الرفاق في الصين وروسيا من داعمين لثورات البسطاء، الى أعداء يعملون لصالح جغرافيتهم واستراجيتها السياسية. وفي زمن الجشع التاريخي للبنك الدولي وقروضه الكافرة، وفي زمن الاحلاف والمصالح المشتركة، ونهوض القوى الاقليمية واحلامها الطازجة في القيام بدور في محيطها الجغرافي والسياسي.
وفي زمن الفساد والمفسدين وأصحاب الأجندات، نقول: إن الدولة الثورية المعافاة لن تهبط على الجماهير من سماء حسن النوايا والثورة الرومانسية الحالمة.
إن الثورة التي يقودها الرئيس المصري الجديد، هي ثورة حقيقية وانقلابية بالتأكيد، لكن ثمن نجاحها سيظل المزيد من الدم.
وأي دم؟!