الحراك مستمر
لن يكون مفهوماً استنكاف الاخوان المسلمين في الأردن, عن المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة, بعد أن رد الملك قانون الانتخابات الجديد, الذي أقرته السلطة التشريعية بغرفتيها, ليتم تعديله بما يتناسب مع المطالب الشعبية أولاً, ومع تطلعات القوى السياسية التي ترفض مبدأ الصوت الواحد معدلاً, وتتطلع لقانون يضمن تمثيلاً سياسياً حقيقياً, ويفضي إلى برلمان قادر على المراقبة والمحاسبة والتشريع, وليس مجرد برلمان خدماتي يقتصر عمل النائب فيه على التوسط لدى السلطة التنفيذية, لتمرير بعض المصالح الجهوية أو حتى الفردية, وتقف فيه السلطة التشريعية موقفاً ندياً, وليس ذيلياً, مع باقي السلطات, إنفاذاً لأحكام الدستور,وتحقيقاً للمصلحة الوطنية العليا, التي يجب أن تظل هاجس الجميع وهدفهم.
سمعنا بعض الأصوات, التي اعتدنا سماعها مرتفعة, وهي تحاول التصعيد بمطالبتها بتعديلات دستورية, قبل المشاركة في الانتخابات المقبلة, التي ظلت مطلباً طبع الحراك الشعبي خلال العام الفائت, وبما يوحي بمحاولة لوضع العصي في دواليب العملية الإصلاحية, أوتفكيراً غريباً بوضع العربة قبل الحصان, ولا نشك أن هناك من العقلاء من سيضع حداً لهذه الأصوات, التي تتطلع إلى مكاسب حزبية, ليس سراً أنها ضيقة, متجاوزة المصلحة الوطنية, في رهان على أن الربيع العربي, الذي أنتج بعضه أنظمة لم نتبين بعد خيرها من شرها, وإن كنا نلاحظ تراجعاً في خطابها, الذي أوصلها إلى كراسي الحكم والسلطة.
هذه المرة جاء الحراك الإيجابي من أعلى قمة الهرم, استجابة لقناعة مؤكدة, بضرورة المضي في العملية الإصلاحية إلى غاياتها, مثلما هو استجابة لنبض الشارع, وعن وعي وفهم وإدراك لطبيعة المرحلة, التي تستوجب تغييرات في البنية الأساسية للدولة الأردنية,وهي تغييرات تحمل في مضمونها الطابع الإيجابي, وتبتعد عن الفكر الإنقلابي, الذي لم ينتج في عالمنا العربي غير الخراب والتسلط, ونحن على يقين أن هذا الحراك القادم من فوق, يتناغم مع الحراك الشعبي, ويلبي مطالبه,حتى وإن لم يكن مرضياً بالكامل لبعض أصحاب الأجندات, التي تظن في ذاتها القدرة على لي ذراع السلطة والمجتمع في آن معاً.
نقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة, يبدو مؤكداً فيها ضرورة تضافر جميع الجهود لإنجاح العملية الاصلاحية, وهي مرحلة لم تعد صالحة للمماحكات, مثلما أنها لن تكون الأخيرة في عمر الدولة, التي شهدت على مر تاريخها تغييرات جذرية, تتناسب مع التطورات, ولم تتوقف يوماً جامدة عند حدود النصوص, حتى لو كانت دستورية, انطلاقاً من فهم أن الجمود في عمر الدول يساوي الموت, ومن قناعة أن التطور هو الثابت الوحيد, وان الخاسر هو من يفوته القطار, وليس امتثالاً لأصحاب الأصوات المرتفعة, والحناجر التي لاتتقن غير الصراخ, وندرك أن أي تشريع لن يكون مرضياً للمواطنين كافة, لكننا سنقبل بأي قانون يرضي الأكثرية, امتثالاً لقناعات ديمقراطية تفرض ذلك.