دوائر ملونه


قد لا يرى البعض أي علاقة بين ما يحدث في الأردن من تفاعلات وتحولات سياسية وبين الحلقات الخمس التي ترمز إلى الالعاب الأولمبية , لكني أردت إستخدامها للدلالة على خمسة أمور تترابط مع بعضها بشكل يشبه إلى حد كبير تلك الدوائر الملونه .
إن حديثي هنا عن النقاط الخمس التي يعتمدها النظام – من وجهة نظري المتواضعة – كأًطر وملفات يتفاعل من خلالها مع الحراكات من جهة ومع المواطنين من جهة أخرى محاولا إحتواء الوضع الداخلي وتوجيه الحراك بما يتناسب مع رؤيته ومصالحه وهذه النقاط هي :
- الشرعية .
- العشائرية .
- الأمن والأمان .
- العدالة الإنتقالية .
- الكفاءة الإنتقالية .
ومع إختلاف هذه المفاهيم إلا أنها تتداخل مع بعضها لتشكل المنطلق الأساسي لإدارة الأزمة السياسية من قبل النظام وسأحاول في السطور القادمة توضيح الرابط بين هذه المفاهيم وكيف تم توظيفها وإستخدامها سياسيا وكيف تفاعل معها الحراك بشكل خاص والشارع الأردني بصورة عامة .
شرعية الحكم : مع هبوب رياح التغيير ووصولها السريع إلى الأردن تنبهت مؤسسة الحكم وبدأت ترتب أوراقها فكانت البداية بالتركيز على أن نظام الحكم على خلاف النظم الأخرى له شرعيته جاءت مع مشروع نهضوي تحرري أطلقه قبل قرن من الزمان ولا يزال يحافظ عليه إلى يومنا هذا , فهو يحمل رمزية الثورة والتحرر من التبعية والإستبداد , وبعد فترة بسيطه بدأ النظام يلاحظ أن هذه الشرعية لم تعد تكفي لإقناع الشباب المطالب بالحياة الكريمة فإنتقل إلى الدائرة التالية وهي العشائرية .

العشائرية السياسية : في البداية كان الحديث عن ولاء العشائر وإنتمائها ورفضها للأجندات الخارجية ثم تراجع الحديث ليوجه نحو ما يسمى بالعشائر المحسوبة على النظام ومع إنتشار رقعة الحراك الشعبي ليشمل المدن والبوادي والأرياف تراجع الحديث مرة أخرى ولكن هذه المره بالتركيز على التجمعات السكانية الصغيرة داخل العاصمة عمان , وأصبح الحديث عن أحياء ومناطق يسكنها تجمع عشائري كحي الجامعة وحي نزال وسحاب وغيرها , وبالنهاية وجد النظام نفسه غير قادر على إحتواء الحراك وفق هذه الدائرة فانتقل الى الدائرة التالية وهي الملف الأمني .




نعمة الأمن والأمان : لعل ابرز ما ساعد في تبني هذا الملف هو مشهد القتل والدمار الذي يمارسه النظام السوري ضد شعبه والأعداد الكبيره من اللاجئين السوريين الذين جاءو محملين بالقصص المروعة عن وحشية وعنف النظام لديهم , وهنا بدأت الأبواق الإعلامية والمؤسسات الأمنية تركزعلى نعمة الأمن والأمان التي يتنعم بها جميع الأردنيين , وكأنها رسالة ضمنية مفادها أن النظام قادر على قمع معارضيه ولكنه يترفع عن ذلك عطفا وتسامحا منه , ولكن ومع ظهور بعض التساؤلات عن عدم وجود طائفه للنظام كما هو الحال في سوريا وهل التركيبة العقائدية والأخلاقية للجندي الأردني هي نفسها لدى الجندي السوري وهل إنتماء الجندي للمؤسسة العسكرية أشد من إنتماءه لأهله وعشيرته ووطنه وهل نجح الحل الأمني في السابق بالتعاطي مع الشعب الأردني لينجح اليوم ؟! وبعد وصول النظام إلى القناعة السلبية في الإجابة على هذه التساؤلات وجد نفسه ينتقل إلى الدائرة التالية .

العدالة الإنتقالية : المقصود بالعدالة الإنتقالية هو محاسبة المتسببين بالأزمة السياسية والإقتصادية ضمن ما بات يُعرف بمحارية الفساد ثم الإنتقال إلى سَن القوانين وإتخاذ الإجراءات التي تضمن عدم تكرار هذه الأزمة بالمستقبل , وللأمانه أقول أن النظام نجح إلى حد كبير في إحتواء الحراك ضمن هذه الدائرة وأصبح الهم الأول والأخير لدى الكثيرين هو محاربة الفساد , ولكن ومع تكشف الحقائق وتساقط الفاسدين كأحجار "الدومينوز" وجد النظام نفسه في مواجهة الشارع بعد أن تبين أن معظم الفاسدين هم من أصحاب أهم المناصب وأخطرها وأقربها منه , وتحسبا من إرتفاع سقف المطالب لدى الشارع الذي لم تقنعه لعبة الحكومة والنواب وجد نفسه مضطرا للإنتقال السريع نحو الدائرة التالية والأخيره .

الكفاءة الإنتقالية : إن هذه الدائرة والتي برأيي هي الأهم والأخطر , وهي الملف الأخير الذي بدأ النظام بإستخدامه منذ فتره بسيطه وهي نقطة الفصل التي تحدد مصير الدولة الأردنية , هي بكل بساطة الإجابة عن السؤال : ما هو البديل ؟ وهنا سيحاول النظام إقناع الشارع أن الإحتمالات البديلة هي الحرب الأهلية أوالإجتياح الإسرائيلي أو في أفضل الأحوال فوضى سياسية تؤدي بالضرورة إلى تفكك الأردن , ولعل ما يساعد النظام في ذلك عدم وجود مشروع وطني موحد لدى الحراكيين فهم يتجاذبون المواقف بداً بتحسين الظروف المعيشية مروراَ بالصلاحيات الدستورية وإنتهاءً بتغيير النظام بأكمله , وهنا تكمن الخطورة فكلا الطرفين وأعني النظام والحراك يتحدثان بإسم الشعب ويدافعان عن الشعب دونما التفات ولو سريع إلى رأي الأغلبية الصامته والتي هي الشعب , فلا النظام قادر على إقناع الشعب بجديته وعزمه على الإصلاح ولا الحراك قادر على وضع أجندة وطنيه يؤمن بها الشعب ويضحي من أجلها .
وأخيرا أقول أننا في الأردن بأمس الحاجة إلى "ميزان أخلاق ومبادئ " نضع فيه نوايانا وأخلاقنا وأقلامنا ومواقفنا لنرى وزننا الحقيقي أمام الله أولا وأمام أنفسنا والآخرين ثانيا وأن نعرف يقينا أن الباقي هو الوطن لنجعله في صدورنا قبل أن يضمنا ترابه فهو قد يتناسى المسئ ولكنه لا تنسى المحسن .
قال تعالى :
" إنَّ اللهَ لا يُغيِّرُ ما بِقومٍ حتى يُغَيِّرواُ ما بِأنفسِهِم وإذا أَرادَ اللهُ بقومٍ سُوءاَ فلا مَرَدَّ لًهُ ومَالهُم مِن دُونِهِ مِن والٍ "
صدق الله العظيم