مشعل ورحلة البحث عن مأوى

اخبار البلد 
ثمة اختلاف اليوم بين الحاضر والماضي في العلاقات ما بين حماس والأردن تفرضها طبيعة التغييرات المفاجئة على الساحة العربية والدولة تفرض ظلالها على الأردن وحماس كل من اتجاه .
وعند استعراض علاقة حماس الأردن عبر السنوات نجد أنها مرت بعقبات إلا أن الجهتين بقيتا على علاقة مودة لم تصل أبدا إلى كسر العظم بل احتفظ الطرفان بصبغة الوفاء لخدمات تبادل تقديمها الطرفان .
لا يزال خالد مشعل يحتفظ في ذاكرته للأردن وفاءه ومصداقيته وحفاظه على امن ضيفه ، فلقد قدمت إعادة الحياة لمشعل أثناء تعرضه للاغتيال في عمان في عهد الراحل الملك حسين أكثر من مدلول على صلابة موقفه ومصداقيته ووضوحه فضلا عن قوة أمنه حينما يتخذ قراره مهما كلف من ثمن .
لقد تعرضت حماس لنكسه في دمشق جراء الإحداث الأخيرة التي يقودها الإخوان المسلمون السوريون ويظهرهم فيه قوى عديدة ومتنوعة في العالم ، وقد اعتبرت دمشق ان طعنة تآمرية في ظهر النظام أثبتها جماعة الإخوان واعتبر نظام الأسد إن في ذلك قلب المجن لمن احتضن المعارضة والفصائل وحماس ، وقد أوردت المعلومات إن مشعل قدم نصيحة للأسد لإجراء إصلاحات شاملة استجابة لمطالب الشارع إلا أن الثاني لم يستحب بينما حاول مشعل طلب مقابلة الأسد ورفض ، ثم ذهب لمقابلة الشيخ حسن نصرا لله ولم يجد إلا إصرار الشيخ ومطالبته لحماس لوقف جماعة الإخوان وثنيهم حتى لا يكونوا مطية فيد احد وان لا مساومة في دعم النظام السوري ، فعاد بخفي حنين .
لقد أصبح وجود حماس في العاصمة دمشق أمرا شبه مستحيل ، كما وأخذت إشارات من نظام الأسد تنطلق بان جماعة حماس لم يعد مرغوبا فيهم اليوم ، وقد سبق أن رحل العديد من الجماعة وعائلاتهم منذ ردح من الزمن باتجاه القاهرة وعمان ، ومنهم الرجل الثاني موسى أبو مرزوق في عمان ، وقد أعطت عملية اغتيال كمال حسين غناجه الملقب بابو انس نزار بنفس طريقة المبحوح في الإمارات على يد الموساد إشارة أخرى هو ان دمشق أصبحت مكانا غير امن من وصول أجنحة الموساد .
وبسبب موقف حماس الرخو بل الناقد لنظام الأسد أوقفت إيران دعمها المالي واللوجستي لحماس في غزة وقيادييها مما أوقع الحركة في أزمة مالية خانقة الأمر الذي يدفع إلى تفكير أكثر براغميتية يتبناه مشعل ويقوده لان ظروف الربيع العربي تدفع بحماس إلى الإصلاح في أسلوبها وسياساتها أيضا فهي الأخرى مهددة وليست بمنأى نتائج الربيع العربي .
أن فوز مرسي في مصر لا يمكن أن يراهن عليه كثيرا خاصة إن الدعم الغربي توقف كليا أو انخفض نحو الصفرية والخليج العربي الذي يمتلك كيس المال لا يرحب بالإخوان وتصريحات ضافي الخلفان مدير شرطة دبي مخالفا للياقة في مخاطبة الأعلى ورئيس دولة منتخب ، وتأكيده على مجيء مرسي حبوا ، كلام مبطن بالرفض ووقف الدعم ، إضافة إلى إشارات أخرى في احتضان احمد شفيق وأركان النظام السابق ومحمد دحلان مناوئ حماس .
إن مشعل يقود النغمة البراغماتية في إدارة حماس ويتبنى خطة غير عسكرية وأكثر هدوءا وقبولا ومرونة في مواجهة إسرائيل من خلال تركيزه على ثورة جماهيرية تشبه تلك التي حصلت في تونس وليبيا ومصر وهي تحتاج لدعم من الملك عبدا لله الثاني كطرف مقبول لدى عباس والغرب وإسرائيل ويستطيع إقناع الآخر بوجهة مشعل وإمكانية الاعتراف بالاتفاقيات بتخريجه وما والتوصل الى شيء في موقف يتناغم مع موقف الأردن الرافض لفكرة الوطن البديل .
جاءت الزيارة الثانية لمشعل ، وسبقتها الأولى بصحية الأمير تميم بن حمد ال ثاني ولي عهد الشقيقة قطر ، ابن سلواد الضفة الغربية ، بعد سنين إمساك بمعروف تبعها تسريح بإحسان ، لمزيد من إزالة لمظاهر الجمود في العلاقات بين الطرفين ، وترطيبها وتحسينها ، واستثمار الوضع في مصر ، وتربيثا على الظهر الأردني في مواقفه النبيلة المستمرة والتي لم تتوقف تجاه الشعب الفلسطيني والمقدسات ، وفي غزة تحديدا في دور مشافيه الميدانية ويده التي تضمد الجرح النازف هناك وقوافل الخير الهاشمية التي تأتي بعيدا عن الاستعراضات الإعلامية وقطما عن فم و لقمة المواطن الأردني .
وقد تكررت زيارات مشعل العائلية وكان يجدد جوازه الأردني السنتين باستمرار دون معيقات وتقيم عائلته بحرية في عمان وتتردد في زيارته إلى دمشق وحضر مراسيم دفن وعزاء والده في عمان أغسطس 2009
دون أية مضايقات .
لا قطيعة بين الإخوان وحماس والأردن بل يعتبران عامل استقرا ومحافظة على النظام الهاشمي ، لدور تاريخي أردني هاشمي نبيل ومكلف تجاه حماس والإخوان ، في حقن دمائهم أيام الأزمة السورية الأولى ، وقبول استجارتهم يوم ذاك ، واليوم ترى حماس أن موقعها الطبيعي يكمن في العودة إلى الأردن والاستقرار فيه قريبا من النبض الفلسطيني ، وهم يوقنون بوضوح قاعدة الموقف الأردني في المسموح والممنوع بما يخدم الطرفين .