مصــر: تحديات الشعب والرئيس

عاشت مصر خلال الأيام الماضية أشبه بالمرأة التي جاءها الطلق لأيام, عانت وتألمت وحبست أنفاسها حتى فرحت بولادة رئيس للجمهورية هو الأول بتاريخ مصر يُعيّن على أيدي الشعب. فتوافد المهنؤن على الميادين وإنكب البعض على أعقابهم خوفاً من أن لايأتيهم نصيب من ميراث مصر العظيمة, فهم أرادوا تقسيم حصصهم من مصر كما فعل أسلافهم فكانت كلمة الشعب أن لاعودة للوراء. 

نحن بصراحة لم نكن نتوقع إعلان فوز السيد محمد مرسي بمنصب الرئاسة مع يقيننا بأنه حصل على الأصوات الأكثر من منافسه الفريق أحمد شفيق وكُنّا نشك بأن يتقبّل المجلس العسكري رئيساً " إخوانياً" على مدى أربع سنوات أو حتى لشهور كما يتوقع بعض المحللين والسياسيين الذين تطرقوا إلى هذا الأمر. 

المجلس العسكري يثبت للمرة الألف بأنه في غاية الدهاء والذكاء في التعامل مع الأحداث السياسية والشعبية في الداخل, فنحن على يقين بأنه لو أراد زوراً أن يقلب نتيجة الإنتخابات الرئاسية لفعل. ولكنه بهذا الإعلان أراد أن يضع الرئيس المُنتخب تحت كماشات العسكر الإخطبوطية لتبدأ جولة أخرى من المعركة مابين المجلس العسكري والثورة التي يتحمل مسؤوليتها الكبرى الرئيس محمد مرسي الذي يواجه بذلك تحديات كبيرة وكثيرة تكللت بدايتها بعد خطابه الثاني أمام الشعب في ميدان التحرير.
ومن أبرز هذه التحديات هو كيف سيواجه الرئيس جموع المعتصمين المُطالبين بإستكمال الثورة حتى نجاحها بالكامل في ظل تعنت عسكري بأن تحقيق هذه المطالب غير واردة. فإن دعم مطالب الشباب فسيتهمه الكثيرين بالتقاعس عن تحقيق أهم مطلب وهو الأمن والإستقرار وإن مارس دوره السيادي السياسي الذي يُوجب عليه تغيير المصطلحات والمواقف والنبرة والرؤيا الثورية كونه سيكون رئيس لكل المصريين فهو بذلك سيفقد الشارع وستكرس الأغلبية الشعبية التي إنتخبته معتقدها بأن الإخوان متقلبون ويخونون الثورة وما إلى ذلك. أما التحديات الأخرى فهي ترتكز على كيفية توافق الرئيس ما بين تحقيق مطالب الأحزاب الثورية والخضوع إلى الأمر الواقع الذي يفرضه المجلس العسكري بإستخدام الجهات القانونية. فهناك قضية تشكيل الحكومة والمجلس التأسيسي والدستور ومجلس الشعب.
وقد إستطاع المجلس العسكري بإخضاع الرئيس المُنتخب بأن يؤدي اليمين أمام المحكمة الدستورية بعدما كان تحدياً للرئيس وأحزاب الثورة كي يبدأ رسمياً مهامه كرئيس للجمهورية, فقد كان أمام الرئيس أن يؤدي قسم اليمين إما في مجلس الشعب كما تعهّد سابقاً وكما يطالبه شباب وأحزاب الثورة أو المحكمة الدستورية كما يريد العسكر . فإن أقسم أمام المحكمة الدستورية كما هو الحال فإنه بذلك يقر بصحة الحكم الذي صدر بحل مجلس الشعب ومايترتب عليه وبذلك يكون المجلس العسكري قد وضع السيد مرسي بموقف صعب أمام شعبه وجمهوره. أو كان أمام الرئيس أن يصر بأداء قسم اليمين أمام مجلس الشعب لما يراه بعدم شرعية وقانونية حال المجلس فبذلك فإنه لن يقسم اليمين ولن يتولى المهام إلى أجل غير مسمى حتى تقرير مصير المجلس عبر المحاكم والقانون لكن بعد إستشارات وضغوط ثورية قرر الرئيس رمزياً حلف اليمين وتأدية القسم أمام مئات الألوف من الشعب الثائر في قلب ميدان التحرير كي يُنهي بذلك الغضب والتوتر السائد في مصر.
كذلك فإنه من الواضح بأن التيارات التي دأبت على مهاجمة الإخوان أو مرشحهم الرئيس من التيارات العلمانية والليبرالية البدء بحملة المُعارضة والهجوم على شخص الرئيس وأفراد عائلته منذ اللحظة التي إنتهى من خطابه الأول. فمن خلال متابعتي لبعض القنوات المصرية شاهدت مدى الحنقة التي في وجود بعض الإعلاميين وضيوفهم ر جة أننا نخشى من أن يُعاد سيناريو الحصار السياسي والإقتصادي الذي فُرض على حركة حماس بعد فوزها بجدارة بالإنتخابات عام 2006 .
كل هذه التحديات والعقبات سيستغلها المجلس العسكري- الذي في وجهة نظرنا انه مازال يسعى لأن يحكم قبضته على الدولة - لتطبيق أجنداته وسنتوقع هجوماً ممن وضعوا أنفسهم في فريق المعارضة "الغير بناءة " حتى قبل أن يستلم الرئيس مهامه رسمياً معرقلين طريق الرئيس نحو النهضة.
إن مصر بحاجة للشعب بأن يضع كل من طالب بالحرية والعدالة والإستقرار يده بيد الدولة الجديدة لتحقيق ذلك وأولهم من صوّت للفريق شفيق وعلى الإعلام المصري أن لاينشغل بتحليل كلمة " طاعة" أو " أهلي وعشيرتي" وأن يعكفوا عن التشكيك والتمحيص من أجل سلامة مصر.
أعان الله السيد الرئيس محمد مرسي على هذه المسؤولية هذا العبء ونتمى عليه تحقيق التوافق والمشاركة وأعان الله مصر وشعب مصر وحفظها من كل سوء وإعتداء هو المولى وهو القدير على ذلك.