إرادة الشعوب.. من يوقفها؟

الربيع العربي كشف عن حقيقة كانت موضع شك بين مصدق ومشكك وهي ان ارادة الشعوب لا يمكن وقفها الى الأبد، ربما يتم تعطيلها لفترة او فترات، لكنها حين تنطلق فان تيارها العنيف يجرف الأخضر واليابس، ولن تجد من يقف في وجهها الا الطغاة الذين يحفرون قبورهم بإيديهم التي تلطخت بدماء الأبرياء من شعوبهم التي تريد الحرية والكرامة والاصلاح الشامل.
البوعزيزي انسان عادي اشعل النار في نفسه احتجاجا على ظروف قاسية كان يعيشها، ردة الفعل لدى الشعب التونسي على هذه الحالة تجاوزت تقديرات صانعي القرار ومراكز القوى والنفوذ في دول الغرب، الذين كانوا زينوا لبعض قادة وحكام العرب، انهم في مأمن أبدي من انتفاضة شعوبهم، التي كانوا يعتقدون انها مستغرقة في سبات لا نهاية له، فاذا بإرادة الشعب التونسي كالمارد الذي خرج من قمقمه، فتطيح بالنظام في وقت قياسي، ثم ما لبثت ان امتدت الى اقطار عربية اطيح بانظمتها بفعل الهبة القوية لإرادة شعوبها.
نعم كانت البداية من تونس الخضراء، في حين ان أمة العرب في عصرنا الحاضر ظلت تتطلع الى مصر كقائدة ورائدة لشقيقاتها من دول العرب، اليوم وبعد العرس الديموقراطي المصري الذي شهد انتخاب رئيس للجمهورية من خلفية اسلامية، ما زالت في مخاض عسير لتصويب الكثير من الأوضاع غير السوية التي تركها على الأرض النظام السابق، الذي تعتبره الغالبية العظمى من ابناء الشعب المصري، بأنه اسهم في تقويض البنية التحتية لمصر بل انهك قواها واعادها سنوات الى الوراء.
اليوم ايضا وبعد ان تكشفت كثير من الملامح التي تقف عائقا امام الاسلاميين في مصر وغير مصر، خاب أملها بسبب اصرار الشعب المصري على اختيار رئيس ذي خلفية اسلامية، ليقول لهم بالفم المليان في اول خطاب له، انه رئيس لكل المصريين مسلمين ومسيحيين وانه يقف على مسافة واحدة من كل الاتجاهات والتيارات والأطياف السياسية والاجتماعية، وان الأيام القادمة سوف تثبت بكل شفافية ووضوح ان الاسلام ليس بعبعا مخيفا كما يروج له الغرب، بل انه يصلح لكل مكان وزمان.
حُكم العسكر لم يعد مرغوبا ولا مقبولا على المستوى العالمي، الحكومات المدنية اضحت مطلب الشعوب التي عرفت طريقا الى الديمقراطية، على المجلس العسكري المصري ــ كما يقول المراقبون والمتابعون ــ تسليم السلطة الى الرئيس المنتخب والعودة الى ثكناتهم دون ابطاء، وان يترك ادارة دفة الدولة للحكومة المدنية، فمصر بتاريخها الحضاري الطويل الذي امتد لقرون عديدة، لديها من ابنائها الاعداد الغفيرة المؤهلة والقادرة على اعادة بناء الدولة على اسس حضارية خدمة للشعب المصري الذي عانى الأمرين في حقبة كثر فيها الفساد والفاسدين.
بقي ان نشير الى اننا في الأردن كنا وما زلنا قيادة وحكومة وشعبا ننظر الى اشقائنا العرب، في ظل الربيع العربي بشكل خاص، نظرة الاحترام والتقدير لارادة شعوبها، متمنين لهم الخير والصلاح دونما قطرة دم واحدة تُراق هدرا وبعيدا عن معركة تحرير المقدسات والأرض العربية المغتصبة.