الأردن والحصرم التركي

تزامنت تقريبا حادثة لجوء الطيار السوري إلى الأردن، مع حادثة اسقاط الطائرة التركية من قبل السوريين، وبذلك تنتقل الثورة السورية إلى مرحلة جديدة تماما، تتطلب حسابات أخرى.
الأردن كان واضحا في البداية، الطيار لاجئ سياسي، وسيجري الترتيب لإعادة الطائرة للسوريين، ولكن الأتراك في المقابل اتخذوا موقفا ملتبسا، في البداية بدت الأمور تسير نحو تسوية الموضوع، سقطت طائرة، اعترف السوريون بالخطأ، تحدث الأتراك بلهجة هادئة، ساعات قليلة، وبدأت اللهجة التركية تتصاعد لدرجة التشاور مع شركاء تركيا في الناتو.
الالتفاف على الموقف الروسي – الصيني يمكن أن يتم من خلال حملة تركية برعاية الناتو وليس الشرعية الدولية، هذه الحملة لا تنهي كل شيء، والمتوقع، أن تسعى تركيا إلى تأسيس منطقة عازلة يمكن للجيش الحر أن يعتبرها قاعدة واسعة لعملياته ضد الجيش النظامي.
هذه القاعدة لن تستند على العمق التركي، ولكن ستنطلق من بين السوريين في القرى والمدن الصغيرة التي تتاخم الحدود التركية، بما يعني أن تتوفر قدرة على حشد المزيد من القدرات البشرية والدخول في معارك واسعة بدلا من الهجمات المباغتة أو الاستنزافية.
جنوبا، من غير الممكن عمليا أن تقوم الأردن بتمكين أي جهة من تطبيق نفس المشروع، فالأردن لن يتحرك في أي موقف عدائي تجاه سوريا، ولن يقدم أي دور إلا ضمن تفويض دولي وعربي (حقيقي)، ولكن الأردن لن يسمح بتصدير تبعات التوتر في الشمال إلى حدوده، وعلى الأردنيين الوعي بهذه النقطة، والمطلوب وطنيا أن تنتقل إدارة الأزمة السورية على الساحة الأردنية إلى المستويات العليا استراتيجيا، وألا يستغلها أي لاعب سياسي لأجندته المحلية.
الدور الأردني مهم في حالة رغبة النظام السوري في البحث عن طريق للخروج من أزمته الحالية، ولكنه محدود جدا في حالة قرر النظام السوري أن يمضي إلى نهاية الشوط، ولن يتمكن الأردن من دفع أخطاء الآخرين، ذلك ليس ضمن الرغبات الأردنية، والمؤكد، أنه فوق قدراتنا.
يبدو أن الجانب السياسي في القضية السورية ينتهي، واليوم وتتزايد في المقابل أهمية الجانب الأمني، فالتدفق عبر الحدود يمكن أن يضم بجانب اللاجئين الباحثين عن الأمن والسلامة عناصر ومجموعات شبه عسكرية، والعقلية الأردنية في المستوى الشعبي لن تقتنع إلا بأداء الواجب الأخوي والقومي تجاه اللاجئين السوريين، وهو ما يجعلهم يرفضون بعض الإجراءات الأمنية تجاههم، ولكن الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الطيبة، ويجب أن يتأكد الأردنيون من أمن التجمعات السورية لحماية الأردنيين واللاجئين السوريين على السواء.
كان الرهان على انهيار النظام السوري من الداخل، وأن يتساقط دفعة واحدة، ولكن السقوط عسكريا، إن حدث، سيسفر عن تطاير الشظايا تجاه جيرانه، واللجوء التركي إلى الناتو مؤشر إلى إمكانية الالتفاف على الشرعية الدولية، وعليه، لا يوجد مكان للاجتهادات أو وجهات النظر في قضايا الأمن الوطني.
يمكن أن يستفيد جميع جيران سوريا من التغيرات المتوقعة، إلا الأردن، ويمكن أن تسعى أكثر من جهة للاستفادة من المزايا التي تتحقق في الوضع السوري، إلا الأردنيين سيخرجون صفر اليدين، كما أنهم تعايشوا طويلا في هذه العلاقة الصعبة والمضنية مع الجيران في سوريا دون أن يحققوا أية مكاسب تذكر، وعلى الأقل يجب على الأردنيين الاستعداد للأسوأ بواقعية وهدوء.