تأملات في قانون الانتخاب

قال تعالى: (... ان اريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أُنيب) (هود:88).
من ألقى السمع لإغلب الأصوات المتحدثة في هذا العصر يجد ان صداها المتردد بين عامة الناس في خلواتهم وجلواتهم مضمونة الشجب والاستنكار، الشجب لأجل الشجب والاستنكار لأجل الاستنكار. لا مرية في ذلك فمن سنن الله في خلقه اختلاف الفكر والرأي والهوى، يقول تعالى: ( ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين)(هود:118)، الا ان الله جل جلاله لم يترك الناس على غير هدى بل ارسل رسله ليبينوا للناس سواء السبيل فقال سبحانه: (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) (الحديد:25)، ونوع الله سبحانه وتعالى في الشرائع التي يتعامل بها البشر فقال سبحانه (( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما اتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) (المائدة:48)، ولا يخفى على احد أن تنوع الشرائع يضفي تنوعاً في بعض الاحكام، فما كان محرما في شريعة قد يحله الله في شريعة اخرى قال تعال: (كل الطعام كان حلاً لبني اسرائيل إلا ما حرم اسرائيل على نفسه من قبل ان ننزل التوراة)(آل عمران93) ويقول الله تعالى على لسان سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام (ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم)(آل عمران: من الآية 50).
ولا يعني بحال من الاحوال ان احدى الشرائع كانت خاطئة فكلها من الله سبحانه وتعالى أي كلها فيها الخير والصلاح للانسانية. وهذه الشرائع ما هي الا قوانين واحكام ربانية سنها الله ليتحاكم بها البشر. ومن المعروف ايضا أن الرسل صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين ما بعثوا ليغيروا كل ما كان قبلهم بل على العكس من ذلك انما بعثوا ليتمموا مكارم الاخلاق ولنا في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسوة حسنة حين قال(شهدت حلف المطيبين - حلف الفضول - مع عمومتي وأنا غلام، فما احب ان لي حمر النعم وأني انكثه) رواه احمد 1/193.
واستنادا لما سبق دعونا واياكم نخطف من الزمان دقيقة تأمل فيها قانون الانتخابات - فأردننا الحبيب ما زال يخطو خطواته الاولى ليرتقي صرح الديمقراطية - محاولين الاجابة على الأسئلة الآتية: ما الغاية من الانتخابات النيابية؟ ما الفرق بين أن يكون للناخب صوت واحد أو ان تتعددالاصوات؟ ما هي النتيجة المرجوة من الصوت الواحد للناخب وما هي النتيجة التي سيسفر عنها تعدد الاصوات؟ هل سيحقق قانون الانتخابات الحالي ما يؤمل منه؟ هل هذا القانون منزه عن الخطأ والزلل؟
الأردن الذي نحب بلد الجميع وبيت الجميع وجميع اهله يفتدونه بالارواح والمال، وكل فرد من افراد الاسرة الاردنية حريص كل الحرص على هذا البلد الغالي لا يتفاضل في ذلك احد الا بعمله واخلاصه/ ولعل الذين يجشبون ويستنكرون غايتهم مصلحة البلاد والعباد إلا ان نظرتهم الى الاصلاح تخالف نظرة غيرهم ومن هنا تتجلى اهمية مجلس النواب وتظهر الغاية المرجوة منه وتظهر اهمية الانتخابات النيابية، فمجلس النواب مكون من بعض ابناء هذا الوطن الغالي الذين يختارهم الناخبون ليدافعوا عن حقوقهم وليوصلوا اصواتهم وآراءهم الى الحكومة والى اولي الامر.
اما الفرق بين ان يكون للناخب صوت واحد أو اصوات متعددة فهو يكمن فيما يلي:
- اذا حدد للناخب صوت واحد في دائرته الانتخابية وكان عدد المقاعد في دائرته الانتخابية ثلاثة مقاعد والمرشحين لهذه المقاعد خمسة، فللناخب أن يعطي صوته لشخص واحد فقط وعليه أن يختار من يراه الأمثل من المرشحين، وفي هذه الحالة يكون التنافس متساوياً بين جميع المرشحين لشغر هذه المقاعد الثلاثة.
- اذا حدد للناخب اكثر من صوت في دائرته الانتخابية وكان عدد المقاعد في دائرته الانتخابية ثلاثة مقاعد والمرشحين لهذه المقاعد خمسة، فيحق للناخب في هذه الحالة ان يعطي صوته لثلاثة من المرشحين أو اكثر وفق ما يحدده القانون. وفي هذه الحالة لا يكون التنافس على الدرجة الامثل بين المرشحين لان عدد الناخبين المنتمين الى حزب معين او جماعة معينة إن كثر في هذه الدائرة الانتخابية سيلغي الصوت الآخر جبراً.
- لذلك فان المرجو من الصوت الواحد للناخب هو اختيار الأمثل فالأمثل من المرشحين وان اختلفت احزابهم وجماعاتهم ليكون ممثلا للناخبين في مجلس النواب. اما النتيجة التي سيسفر عنها تعدد الأصوات فهي تأهيل أفراد الحزب أو الجماعة الأكثر عددا ليحظى بمقاعد الدائرة الانتخابية وإقصاء جميع الأصوات المنافسة، لا استنادا الى الأهلية او الأمثلية بل الى الحزبية أو..والمتأمل في قانون الانتخابات الحالي حال تجرده عن اية تبعية - الا مصلحة البلاد والعباد - يجد ان هذا القانون يحقق العدل والخير للجميع ولا يهضم حق احد لا من الناخبين ولا من المرشحين.
فالمادة الثامنة من قانون الانتخابات حددت عدد المقاعد بـ:مئة وثمانية مقاعد نيابية، بحيث لا يزيد عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية الواحدة على خمسة مقاعد. وتخصيص سبعة عشر مقعدا نيابيا لجميع مناطق المملكة فضلاً عن مقاعد النساء الخمسة عشر. ونجد ان الفقرة الاخيرة من المادة الثامنة تحدد عدد أصوات الناخب بصوتين على النحو التالي: صوت لدائرته الانتخابية المحلية وصوت للدائرة الانتخابية العامة.
فهذه المادة تتيح لكل ناخب أن يشارك في دائرته الانتخابية وفق منطقه الحزبي او الفكري وتتسع بافكاره ليشارك في اختيار ممثل آخر في مجلس النواب من ابناء وطنه, وهذا من اكمل اوجه التعددية والاعتراف بالاخر.
ولعل أحداً يسأل: ما بال تلك المقاعد التي تكون لجميع مناطق المملكة الا تؤثر في سير مجلس النواب وقراراته؟ الجواب واضح بأن قلة عددهم -سبعةعشر مقعدا من اصل مئة وأربعين مقعداً- لا يؤثر في قرارات المجلس التي ستتخذ برأي الاغلبية.
اما الاجابة عن السؤال قبل الأخير: هل سيحقق قانون الانتخابات الحالي ما يؤمل منه؟
هذا السؤال سابق لأوانه لان البشر مهما اوتوا من سعة افق وتحليل للواقع فانهم لن يعلموا يقينا ما سيكون في مستقبل الايام, والاجابة ستجليها عملية الانتخاب وما ستسفر عنه.
واخيراً فان قانون الانتخابات النيابية قانون بشري لم ينزله الله سبحانه وتعالى في كتاب من الكتب السماوية, وكل عمل للبشر يحتمل فيه الخطأ والزلل وهو غير منزه عن أي نقص, فان ثبت في المستقبل عدم صلاح هذا القانون فلا محالة سيتم تعديله وتدارك اخطائه.
والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل