مصر مع مرسي إلى أين!

رسى الاختيار على مرسي بالانتخابات التي يعتقد غالبية المصريين والمراقبين انها نزيهة وان نتائجها أقرب الى الصحة والصواب ومع نجاح الرئيس الجديد محمد محمد مرسي العياط تأخذ مصر لوناً جديداً وتدخل الى منعطف آخر بانفكاكها عن حكم العسكر الذي اعتلاها قبل (60) سنة ومع انقلاب (ثورة) يوليو الناصرية..من يقرأ تاريخ مصر المعاصر يدرك أن التنازع كان بين اسلاميتها الغالبة قبل ثورة (1952) وعروبتها اللاحقة بعد 1952..بالمعنى العميق لنظام الحكم وان هويتها في تبعية الدولة العثمانية كرّس اسلاميتها الى جانب تيار مصري كان بارزاً أيام الملكية هو التيار الفرعوني أو تيار الحاق مصر بالبحر المتوسط وقد كتب عن ذلك ابرز مفكري مصر مثل طه حسين حين كتب «مستقبل الثقافة في مصر» واعتبرها أقرب ما تكون لتدور في الفلك اليوناني الاغريقي رغم ان طه حسين هو عميد الأدب العربي وفي هذا النهج كان استاذه أحمد لطفي السيد الذي كان يسمى استاذ الجيل وقد حضر حفل افتتاح الجامعة العبرية حين لم تكن معظم النخبة المثقفة المصرية قبل عبد الناصر تدرك خطر الحركة الصهيونية على فلسطين والمنطقة..ومثله كان توفيق الحكيم وغيره كثيرون من تيار مصر الفرعونية..
جاء عبد الناصر فأعطى مصر عمقها العربي وأكد ذلك وقاد المنطقة ولكن عبد الناصر كرس حكم العسكر فكتب المفكر أنور عبد الملك كتابه «مصر مجتمع يحكمه العسكريون» ناقداً ذلك ومبيناً أخطاء تلك المرحلة في بواكيرها وحتى منتصف الستينات رغم ما ادخلته الناصرية من تحسينات داخلية عميقة لصالح العمال والفلاحين وتوزيع الاراضي.
اليوم مصر على مفترق الطرق وقد فكت ارتباطها بالعسكر ومارست الانتخابات بشفافية وسلم العسكر واتباعهم بالنتائج لصالح حزب سياسي هو «الاخوان المسلمون»..كان محظوراً فالرئيس الجديد لمصر كان عضواً في حزب محظور بالأمس ولهذا دلالة كبيرة وانعطافة قد تصل (180) درجة..لكن السؤال..هل تتغير مصر بقدوم رجل يقود حزباً؟ وهل تتمكن نسبة 51% من تغيير كل مصر؟..
مصر سهلة القياد ان اقتنعت وتجانست..فصلاح الدين الأيوبي نقلها من التشيّع الى المذهب السني فقد كانت قبله فاطمية منذ وصلها المعز لدين الله الفاطمي وقائده جوهر الصقلي الذي بنى القاهرة..والطريف أن ايران كانت سنية الى أن جاءها اسماعيل الصنوي التركي الذي تشيّع فنقلها الى المذهب الشيعي وبدون الصفويين كان يمكنها ان تبقى في غالبيتها سنية حتى الان..
نعود الى مصر ونسأل: هل ينجح الاخوان المسلمون في الانتقال بمصر الى مرحلة أخرى تستطيع فيها ان تلتئم جراحها التي سببها الفساد وحكم العسكر والتبعية للغرب وقيود الاتفاقيات المذلة؟..
ماذا يستطيع هذا الرجل الذي ما زالت أمامه قيود وعقبات بعضها طاريء وناشيء للتو في حل البرلمان وتحصين العسكر وغير ذلك أن يفعل..؟
ما زالت مصر في الاحتفالات..ستذهب «السكرة وتأتي الفكرة» وقوائم من مشاكل التكيف والأسئلة المعلقة وانتظار المراقبين وتربص الاعداء ووضع مصر على المحك!!
كيف ستتعامل مصر مع الاتفاقيات الدولية التي قال الاخوان المسلمون وغيرهم والرئيس مرسي وغيره قبل السلطة انها اتفاقيات اذعان..كيف ينظرون لغزة المحاصرة في جوارهم حيث تمثل فلسطين عمقهم منذ الهكسوس ومروراً بالسلطان قطز والظاهر بيبرس ومعارك المصريين في عين جالوت وفي تخوم حلب دفاعاً عن مصرّّ
كيف سيحل المصريون المشكلة الاقتصادية والاجتماعية ومشاكل الفقر والبطالة والتخلف والأمية والمهمشين؟ كيف ستبني علاقات مع الاقليم والمحيط العربي الذي لا يتفهم بعضه ما جرى..
هل سيصبح الامتداد التونسي الليبي المصري واحداً ؟ وهل ستكون مهمة الامكانيات النفطية الليبية اسناد الحالة المصرية والانتصار للمرحلة الجديدة وحملها والعمل على انقاذ مصر والتكفل بخروجها من المرحلة وتأكيد وسطية اسلامها وبراجماتية الحزب الحاكم فيها (الاخوان المسلمون) وهو ما يتناسب مع السياسة الاميركية الجديدة التي باركت وصول محمد مرسي واعتبرته صاحب قاعدة شعبية يمكن التفاهم معها في تحولات جديدة في المنطقة ظلت معلقة ولا تجد من يجرؤ على الاجابة على اسئلتها..
عندنا فإن اخوان الأردن عليهم الان ان يؤكدوا وطنيتهم في الارتقاء بالعلاقات بين البلدين فإن كانوا وطنيين فعلوا ذلك وجعلوا من انتصار رؤيتهم في مصر انتصاراً لوطنيتهم هنا..ومصالح هذا الوطن وقضاياه على قاعدة الحوار الداخلي وتجميد الخلاف حين يتعلق الأمر بالقضايا الوطنية والعلاقات الخارجية..
لا نملك الا أن نبارك لمصر خيارها وللشعب المصري ثورته وننتظر من الاخوان عندنا عمل مثمر في هذا الاتجاه!