مشهد الفساد الذي يشاهده عشرات الآلاف من الاردنيين يوميا ممدداً وسط أهم شوارع العاصمة وأكثرها حيوية (شارع الجامعة) يزكم الانوف، ويؤشر على طريقتنا في مكافحة الفساد.
قصة "الباص السريع" شاهد على كيفية ادارة الحكومات لقضايانا، فبعد أن قرر رئيس الوزراء السابق معروف البخيت وقف العمل به حتى إشعار آخر، وبعد أن قرر الرئيس الذي جاء خلفه عون الخصاونه إحالة قرارات لجنة التحقق النيابية الرابعة والمتعلقة بأمانة عمان الكبرى ومنها قضية الباص السريع إلى وزير العدل لإحالتها إلى النائب العام لإجراء المقتضى القانوني، لم نعد نسمع شيئا عن هذه القضية، والأدهى أن لا إجراء فعليا على الاقل يعيد الشارع الى وضعه الأصلي بعد أن لهف مشروع الباص نصفه.
اكثر من مسؤول ووزير ومختص صرحوا أنه لا يمكن الاستمرار في تنفيذ المشروع لأنه لم يعد يفي بالغرض الذي أقيم من أجله، وأنه مشروع غير مجد ولا يصلح، وأن هناك الكثير من المشاكل تطال تنفيذه ومخططاته.
اكثر ما يغضب الأردنيين ،جماعات وأفراداً، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشونها،ظواهر الفساد المرتبطة بعناوين معروفة جيداً لشركات استثمارية، ومصالح احتكارية واقتصادية واسعة وشخصيات رفيعة المستوى.
لنلاحظ شيئا واحدا تتفق عليه كل مسيرات الاحتجاج التي تخرج في شوارعنا، المطالبة بمحاسبة الفاسدين والمسؤولين عن هدر المال العام، ومن أجل استعادة الأموال المنهوبة للخزينة العامة للدولة.
سوف يتعزز يقين الأغلبية الساحقة ان معركة مواجهة الفساد قد انطلقت فعلا، عندما تأخذ هذه السياسة مجراها، وتعتمد استراتيجية ثابتة في برامج عمل الحكومات ، وأن لا تقتصر على إثارة زوابع في وجه الحراك الشعبي حتى يهدأ، او تقديم ضحايا من الوزن الثقيل أمام الرأي العام، لاننا تعبنا من الحديث عن الفساد، ولا نرى فاسدين خلف القضبان.
لقد سمعنا كثيرا من الاحتجاجات التي انتصرت لبعض الرموز اثناء الاعتقال بحجّة نظافة اليد، وعدم التطاول على المال العام لصالح مكاسب شخصية، ونقول هنا إنّ تكاليف الولاية العامة باهظة، والفساد لا يعني فقط سرقة المال العام وايداعه في الحساب الخاص، ولكن التفريط بالمال العام للوظائف العليا ذات الرواتب الخيالية في بلد فقير مثل الاردن والاعتماد الارتجالي لمشروعات اقتصادية تسبّبت في هدر عشرات الملايين من دون ان تعود بفائدة تذكر على المواطنين، والباص السريع خير مثال على ذلك، والعجز المتفاقم بمئات الملايين من الدنانير .. كل ذلك يجب ان يحاسب على قاعدة مسؤولية الولاية العامة.
امام الحكومة وامانة عمان مهمة ضرورية، وهي ازالة هذا الضريح من وسط شارع الجامعة، خاصة واننا مقبلون على ازمة مرور خانقة في الصيف وضيوف من الخليج، لا نريد لاحدهم أن يتساءل عن سبب بقاء هذا الفساد في وجهنا صباح مساء.