هل تركتم دوافع للإنتخاب؟؟

منذ أن منح مجلس النواب الحالي الثقة لحكومة سمير الثاني وبنسبة تكاد تكون غير مسبوقة عالميا ولا يماثلها إلا نتائج انتخابات الرؤساء العرب الذين كانوا يحصلون على "إجماع" يلامس الـ 100% لكثرة شعبيتهم وتفانيهم برفع مستوى المعيشة وتكريس الديموقراطية والحرية التعبيرية والفكرية واحترام الرأي الآخر.... وتطول قائمة فضائلهم. منذ ذلك الحدث المخزي وأنا أتساءل وأسأل الآخرين عن تصورهم لمسيرة وفعاليات العملية الإنتخابية القادمة التي تسبق تشكيل المجلس رقم (17).
في البداية نقول أنه تم اختيار توقيت لا ينم عن حسن نية واعتقادنا أنه لم يأت صدفة بل كان مدروسا ليأتي بأكله لصالح من أقره وهي الحكومة لعرقلة العملية الإنتخابية وإضعافها ولدفع الناس بالإحجام عنها والنتيجة مجلس يتصف بالضعف ويكون طوعا لتلبية وتمرير ما تريده الحكومات السريعة التغيير. فشهركانون أول يكاد يكون أشد أشهر السنة برودة وهو مضرب مثل عند الفلاحين الأردنيين لشدة برده فنقول "والله كأنها كوانين" وذلك عندما يشتد البرد في أشهر أخرى حيث تصعب الحركة و يصعب التنقل وهمّ الناس هو تأمين مستلزمات الدفئ لبيوتهم, واحتمال تراكم الثلوج قائم مما يحد من حركة الناس والمرور والتواصل بين الناس يصبح صعبا جدا. وإن حصل ما يدعونا للخروج يصبح خروجنا رحلة عذاب حيث تتقطع بنا السبل بسبب أعطال السيارات وانغلاق الطرق أو صعوبتها (ونسجل تقديرنا للأجهزة المعنية التي تساعد بالتخفيف).
بذلك نكون كمن يضع العربة أمام الحصان, فكيف للحصان أن يتحرك ليصل مبتغاه؟؟ فتوقيتكم غير موفق لأن الطقس قطعا سيحد من إقبال الناس على التفاعل والتصويت "الذي تسعون له" ولأن سياراتنا تختلف عن سياراتكم, وإن بسبب الطقس احتجتم للمساعدة فكل الدفاع المدني والأمن والبلديات رهن إشارتكم وطرقنا تختلف عن طرقكم وكذلك مرشحونا يختلفون عن مرشحيكم وعندما تصوتون تخلى لكم الساحات والممرات والقاعات ولحرسكم ومرافقيكم حتى لا ترى عيونكم "الدهماء" والكاميرات من أمامكم ومن خلفكم وعلى جنوبكم وتتصدرون الأخبار بما أنجزتم للوطن والمواطن مع الشكر والتقدير.
وما نسمع من ردود فعل وآراء وتعليقات مباشرة وغير مباشرة بهذا الشأن فإنها تحمل الكثير من الإحباط وتدني المعنويات لدى الناس بالإضافة لعدم الحماس لمثل هذا الحدث وذلك راجع لانعدام الثقة بالحكومات وكذلك التصريحات التي أدلى بها مسئولون اصحاب قرار ورأي نافذ في كيفية إخراج المجالس النيابية والتسريبات من قبل المطلعين من إعلاميين وصحفيين وأصحاب علاقات مع مقرري شأننا العام ولا أدل على ذلك إلا قصة المرشح محمود حسين العبابنه التي عشتها شخصيا بكل تفاصيلها حيث توجه ليزف خبر فوزه لناخبيه من أبناء عشيرته التي تعدادها يتجاوز الثلاثين ألفا ومحبيهم ومنافسه الآخر توجه لناخبيه ليبلغهم بعدم فوزه وكل ذهب لحال سبيله وكان ذلك بناءا على نتائج الفرز التي تقوم بها وتشرف عليها لجان رسمية معينة من الحكومة وإذ بنا نصعق ونصدم وخلال مدة لا تتجاوز الساعة الواحدة بقلب النتائج الحقيقية التي أتت بها صناديق الناخبين وأصبح الفائز خاسرا والخاسر فائزا.
عشنا تلك القصة عن كثب بكل تفاصيلها المفرحة والصادمة وكأننا نتابع فيلم رعب. وما زال الكثيرون في محافظة إربد يذكرونها في دوواينهم وأحاديثهم مستشهدين بها على تلاعب الحكومة وفرضها لرغبتها وكسرها لإرادة الشعب وكبح جماحه وقمع توجهاته لتضمن مجلسا طيّعا يعمل لحسابها وتحت إمرتها ويصادق على قراراتها وقوانينها دون عناء.
وقد شهدنا العديد من المصادقات لهذا المجلس والذي فاز وبجدارة بلقب المجلس (111) وبات يعرف به بدلا من المجلس (16) عندما أعطى الثقة لحكومة يرأسها سمير الثاني وعندما برأ الساعي لإفقار الأردن باسم عوض الله وعندما صادق على الكثير من الإجراءات الحكوميه من تشريعات تخص الإنتخابات وقوانين ضاغطة على الشعب حتى أصبح الشعب مطية يمتطيها المجلس بحكم صلاحياته والحكومات "بحسن نواياها" لتنفيذ ما يرسمون ويخططون لمستقبل غامض ومبهم ومخيف أجارنا الله منه وحمانا وحمى أردنا مما يُضمر ويبيّت لنا .
وما سبق هو غيض من فيض على ما تقوم به الحكومات المتعاقبة من سياسات ممنهجة مدعومة من المسمى (برلمان) ستودي بنا الى كارثة إن بقي الحال على ما هو عليه دون صحوة ضمير من أصحاب القرار وراسمي طبيعة التعاطي والتعامل مع شعب لم يعد لديه متسع للتحمل ولم يعد لديه ما يخشى فقدانه .
أليس هذا هو الحال أيها الأردنيون الرجال الرجال ؟؟ أليس هذا ما يتم تداوله في المجالس والمضافات والمناسبات وفي الباصات وعند الدخول والخروج من دائرة حكومية ؟؟
فكيف ستكون صورة الإنتخابات القادمة ؟؟ وكم ستكون نسبة المصوتين ؟؟ وكيف سيكون اندفاع الناخبين تجاه مرشحيهم؟؟ وكيف بالذين يؤمنون بأن التصويت حق للمواطن وواجب عليه وحق للوطن على المواطن, هل سيبقوا على إيمانهم دون زعزعة والإستخفاف بمدى قدرتهم على إدراك ما يحاك قد بلغ مداه ؟؟ وكلمة (حق) لا نسمعها تتكرر على ألسنة المسئولين إلا في موسم الإنتخابات وتغيب هذه الكلمة عند رفع الأسعار بل يُنظر لها بالإشمئزاز والتقزز وكأنها كلمة نابية ومحرمة ولا يجوز إسماعها لمن يعمل بكل طاقته على إهلاك الشعب. ونشهد للحكومات ونقر لها بتأكيدها وحثها المستمرين دون انقطاع للناخب على ممارسة حقه بالتصويت لاختيار من يرى به خير ممثل له. والحث هنا هو غطاء يُمارس لستر عورة النتائج المعروفة والمجهزة مسبقا. هل سيكون تجاوب وإقبال وتفاعل الناس يرقى للمستوى المطلوب الذي يقره المنطق الإنتخابي والذي تطبل له الحكومات موهمة الناخبين بالحرص على ممارسة حقهم ؟؟
الإحباط صار السمة الغالبة بين الناس . وعدم الرغبة في خوض بحر الإنتخبات صار واقعا عندهم. وانعدام الثقة بالحكومات صار قناعة لا تخفى على أحد بسبب تناقض الأقوال مع الأفعال . والخوف من القادم الغامض أصبح هاجسا مقلقا عند السواد الأعظم من السكان .
نسمع الكثيرين يقولون لماذا أترشح أو أنتخب والنتيجة محسومة يقررها محافظون أو رؤساء لجان يعملون بتجرد من المعطيات التي تنطق بالحق عن نفسها . فلماذا العناء واضاعة الجهد وهدر الوقت وإنفاق المال ؟؟ فلماذا لا يريحونا ويكتفوا بمجلس الأعيان؟؟
هذا والكثير الكثير هو ما يدور في أذهان الناس بخصوص العملية الإنتخابية وذلك بالإضافة لقانون الصوت الواحد الذي رفضه الشعب منذ اللحظة الأولى ولم يؤيده إلا الحكومات والحكومييون والمستوزرون والمستفيدون من الترويج للحكومات .
والتغيير الذي استحدث بشأن قانون الإنتخاب لم يأت بجديد وإن دل على شيء فإنما يدل على أن الحكومة بالمطلق ما زالت تستحمر وتستبقر وتستغنم الشعب .
فكيف والحال كذلك يمكن أن يندفع الشعب للمشاركة وهو يعلم أنه يُقتاد للذبح ؟؟ فكيف سيثق الشعب بحكومة توكل أحد رؤساء الوزارات السابقين لجس نبض الإخوان المسلمين ليعرف عدد النواب الذي يرغبون به في المجلس القادم ؟؟ وهذا بالتزامن مع حديث الحكومة وتأكيدها على أن الإنتخابات ستكون نزيهة وشفافة وبعيدة عن التزوير والتلاعب والشراء . فأين هي نزاهتكم وأين هي مصداقيتكم؟؟ أليس ذلك يخبرنا باننا نعيش مرحلة خادعة ظاهرها غير باطنها؟؟
فكيف سيثق الشعب بكم وأنتم تقولون ما لا تفعلون وتظهرون ما لا تبطنون ؟؟ ألم تدركوا بعد أن زمن الاستعباط والاستخناع والاستغنام قد ولى في ظل الإنفجارات العربية التي نحن في الأردن نعيش في مقتل منها ؟؟
هال تركتم للناس هامشا للمشاركة في مثل هذا الحدث الوطني والذي يعني كل الأردنيين من شتى المنابت والأصول ؟؟ هل حاولتم تغيير أو على الأقل تعديل الصورة النمطية لسياستكم ولو قليلا حتى تحققوا بعضا من الثقة بكم ؟؟ لا لم تفعلوا لأنكم لا تأبهون بالإنسان ولا تحسبوا أن الشعب آدمي ، بل ما زلتم تحملون الفكر القديم الذي عفى عليه الزمن ولكنكم تستخدمون أدوات عصرية تبهر الناظر ولكنها في الحقيقه استنساخ لنهج رفضه الناس منذ ولادته وما زالوا .
فاعلموا أن نهجكم بحاجة عاجلة لإعادة النظر وسياساتكم بحاجة ملحة للمراجعة للوقوف عند مواضع الخلل التي أفقدتكم ثقة الناس حتى الكفربكل ما يصدر عنكم . والأهم من كل ذلك تغيير نظرتكم للناس والتعاطي بشأنهم على أنهم بشر ذو ألباب وأحاسيس يرون ويشاهدون ويتابعون ما يجري حولهم حيث هداهم الله سبحانه النجدين ولم يخصكم بالنجدين لوحدكم وهؤلاء البشر يطمحون لتحقيق حياة فضلى وليست دنيا كما تخططون لها .
فإن بقيتم مصرين على التمسك بإرث الماضي ، فأنتم تكابرون بالمحسوس إذ لكل مقام مقال . وفي الماضي لم تكن منظمات حقوق الإنسان فاعلة وناشطة ومتابعة كما هي الآن . فهي لا تغفل عن أبسط حدث في أية دولة . وقد كانت غير فاعلة كما نعلم جميعنا بسبب أن العالم كان يتقاذفه قطبان متنازعان هما الشرقي بزعامة السوفيات والغربي بزعامة الأمريكان وكل منهما يرحب ويعمل ويغدق الكثير ليزيد عدد من يدورون بفلكه حيث كان يتوفر البديل والخيار أمام الدول لتلجأ من قطب لآخرعند الحاجة. ولخلق التوازن بين القطبين كان هناك شد وجذب بين معسكر الإشتراكية الشيوعية ومعسكرالرأسمالية تم خلاله السكوت عن الكثير من الأخطاء التي كانت ترتكب من قبل الحكومات والحكام بحق الشعوب ، أما الآن ونحن في الألفية الثالثة أصبحنا ندور في فلك واحد وهو الفلك الأمريكي وتحت نير واحد وهو النير الغربي بمنظماته "الإنسانية" وبصندوق نقده الذي لا مناوئ له ، والحال كذلك فمن السهل أن تواجه أمريكا الحكومات لتقلقها وتبتزها من خلال فضحها عن طريق منظمات الإدعاء بحقوق الإنسان وتوجهها نحو أهدافها عندما تريد استغلال المبررات وما أكثرها .
نخلص للقول بحتمية إعادة التقييم للمرحلة والمسيرة وخلق أدوات فاعلة تساهم بالخروج بما يرضي الشعب الأردني وليس ما يرضي القلة الساعية لتحقيق أهداف لا تعود على الناس إلا بالكوارث .
ذلك هو مسح واستقراء لنبض الشارع الحراكي منه والمترقب والصامت . وذلك ما يدور بين الناس. ولا نشك أن الأجهزة الأمنية المعنية بمثل هكذا أمور تعلم علم اليقين أن هذا هو الواقع والسكوت عنه يفسره الناس بالرضى. وعدم توفير العلاج وعدم البحث عن الحلول يُفسّران أن هناك من يدفع نحو التأزيم والتوتير للحصول على مبتغاه على حساب استقرار الوطن . أللهم عليك بالأشرار والمتخاذلين وارفع بلاءهم عن هذا البلد وأهله . وها نحن نذكر ونحذر ونصرخ بملئ فينا لعل هناك من يستجيب, فهل من مجيب مستجيب؟؟
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن . والله من وراء القصد .
ababneh1958@yahoo.com