إحالة إدارة (SOS) إلى الادعاء العام..

اخبار البلد 
أمضت لجنة التحقيق والتقييم لواقع دور الرعاية الاجتماعية أكثر من أسبوعين وهي تحقق في ملف قرى الـ SOS لا بهدف الوأد، ولكن لاستكشاف واقعها، والإسهام في مقترحات ترفع سوية الخدمة للمنتفعين.
وطريق ذلك كان تلمس أوجه القصور في الآليات الإدارية، أكان من طرف جمعية القرى أو من طرف وزارة التنمية الاجتماعية، بوصفهما جهات اختصاص ومسؤوليتهما مباشرة عن شؤون الأيتام ورعاية احتياجاتهم.
على هذا الأساس ارتكزت لجنة التحقيق والتقييم في منهجية تحقيقها وتقييمها على الفهم التالي: نريد المحافظة على الـ SOS باعتباره ضرورة وطنية، وأن أي تقصير من إدارة الجمعية والوزارة لا يعني التفريط بالفكرة ومنتجها.
من هنا كانت البداية، وبدءا من تقرير وضع من جهة ما على طاولة اللجنة يتحدث عن انتهاكات بتواريخ مختلفة وبأشكال متعددة، والمطلوب التحقق من وقوعها وكيفية تعامل إدارة جمعية القرى معها وأين كانت وزارة التنمية الاجتماعية.
تفحصت اللجنة التقرير وهالها ما فيه من معلومات، ومن فورها بدأت باستدعاء عاملين سابقين في قرى أطفال الـ SOS تستمع إلى شهاداتهم لتكتشف أن تحقيقا كانت أجرته القرية قبل نحو السنة ونيف عن هذه الانتهاكات.
الاستماع للشهادات لم يقتصر على عاملين، بل منتفعين سابقين، وما أن استكملت اللجنة الاستماع الأولي حتى شرعت في زيارات فجائية، ليلية ونهارية، لقرى الأطفال في عمان وأربد والعقبة وفي أوقات مختلفة.
في تلك الزيارات، رصدت اللجنة ملاحظات عن البيئة المادية والموارد البشرية (الكوادر ومؤهلاتها وأشكال تأهيلها وعديدها وظروف عيشها)، والنظام الإداري وعمليات الرقابة والإشراف والإطار التشريعي والمسؤولية الاجتماعية والرعاية بعد تخرج المنتفعين.
وعلى الرغم من عديد ملاحظات اللجنة حول واقع القرى، إلاّ أن هدفها المركزي كان التأكد من حقيقة وجود انتهاكات حدثت حتى لو بتواريخ قديمة والكيفية التي تمت بها بالمعالجة.
بقي الأمر بلا حسم جراء تمنع من شاركوا في التحقيق الذي أجرته إدارة القرى في إطلاع لجنة التحقيق والتقييم على التفاصيل إلى أن طلبت اللجنة الاستماع إلى الإدارة التنفيذية للقرى وطلبت إليها إحضار ملف التحقيق في الانتهاكات الذي أجرته في وقت سابق إلى جلسة الاستماع.
وهكذا كان، حضرت المديرة التنفيذية للقرى وبيدها ملف التحقيق الذي أثبت وجود عشرات الانتهاكات العمودية والأفقية، أي من مشرفين ومن منتفعين.فكان السؤال الذي ألحت به لجنة التحقيق والتقييم على الإدارية التنفيذية: لماذا لم يحل الملف إلى الجهات القضائية كما يقضي ذلك القانون، خصوصا قانون العقوبات؟، فكان الرد «المزلزل» أن مجلس إدارة القرية اعتبر الانتهاكات قديمة ولا داعي لأي إجراء قانوني.
عندها سألت اللجنة: هل قرارات مجلس الإدارة بهذا الشأن مثبتة في محاضر اجتماعات رسمية؟، فكان الرد أنها قرارات «شفوية» ولم تكن في محاضر.
سؤال اللجنة الذي تلا ذلك: هل هذه الإجراءات سليمة وأصولية؟، فجاء الرد من الإدارة التنفيذية بالنفي. أما السؤال الحاسم كان: هل عدم إحالة الملف إلى القضاء من قبل إدارة القرى إجراء صحيح؟، فردت المديرة التنفيذية بكلمتين «كانت غلطة».
هنا خلصت اللجنة، ومن فيها من قانونيين، إلى أن مسألة إحالة إدارة القرى إلى الأدعاء العام «لكتمهم جنايات وجنح» وصلت إلى علمها ولم تبلغ عنها مسألة لا تقبل الجدل وإلاّ فأن لجنة التحقيق ذاتها إذا تراخت في هذا الإجراء ستعتبر متسترة على انتهاكات لا يطولها التقادم.
فكان القرار النهائي إحالة إدارة القرى إلى الأدعاء العام، على أن لا يؤثر القرار بأي حال من الأحوال على استمرارية عمل جميعة الـ SOS ليقين اللجنة أن الخلل الإداري لا يستوجب إغلاق الجميعة بل يستدعي تطوير إدارتها وبرامجها وشحذ الهمم لمزيد من الدعم المادي والمعنوي لتمكينها من رفع سوية خدماتها.
وفي مقابل مسؤولية إدارة الجمعية الإشرافية والرقابية المحاطة بعلامات استفهام عديدة، وجدت اللجنة تقصيرا واضحا من قبل وزارة التنمية الاجتماعية في شق رئيسي عندما تراخت في إنفاذ المادة (14/أ) من نظام ترخيص وإدارة دور رعاية الأطفال الإيوائية لسنة 2009.
هذا النظام كان ينص على تشكيل لجنة توجيهية من عدة جهات حكومية مسؤوليتها تطوير السياسات في مجال الرعاية الاجتماعية ودور الرعاية ومراجعتها وتقديم المقترحات اللازمة لتنفيذ أحكام النظام.
والمفاجأة أن اللجنة بدء تشكيلها برئاسة أمين عام «التنمية الاجتماعية» العام الماضي، أي بعد أكثر من سنتين على إقرار النظام وصدروه بإرادة ملكية، ومع ذلك فإن اللجنة على فرض تشكيلها بصورة نهائية لم تعقد أي اجتماع لغاية تاريخه.
بل أكثر من ذلك، أن التعليمات التي يفترض أن تضعها اللجنة ذاتها لم تقم بذلك وأناطت وضعها، بخلاف النظام، إلى جهة قانونية داخل الوزارة.
ذلك ليس نهاية المطاف، إذ أن ضعف الرقابة والإشراف وغياب الحلول الإبداعية الخلاقة من كلا الطرفين (الجمعية والوزارة) عمّق أزمة المنتفعين ممن تخرجوا من القرى وبيوتها، فالمتخرج والمتخرجة يغادر القرية ليواجه إشكاليات لها أول وليس لها أخر.
ما كان يفترض وضع برامج تقوم على أساسين: تأمين عمل وتأمين سكن للخريج للحوؤل دون تلقفه من قبل الشارع واستحقاقاته السلبية.
بمعنى أن الضرورة تقتضي أنسنة المشروع وأردنته بذات الوقت إذ من غير المعقول، حسب مطلعين، أن يغادر الشاب أو الشابة القرى بعد سن الثامنة عشرة من غير إعالة واهتمام.
هذه بعض ظروف قرى الـ SOS والتي على أهمية استمرار خدماتها وضرورة دعمها بكل جد وصدق تحتاج إلى مراجعة معمقة لسياساتها وآلياتها الإدارية بشراكة حقيقية مع الجهات الحكومية ذات العلاقة وعلى رأسها «التنمية الاجتماعية».