الاخوان المسلمون الاردنيون يدمنون الكيل بأكثر من مكيال ويغيرون الاقنعة بما يتناسب مع سياق مكاسبهم ففي نقابة المهندسين التي جرت انتخاباتها شهر ايار الماضي وقد فازوا ظلوا يديرون الظهر لقرارات الهيئة العامة للنقابة وهي القرارات المتخذة منذ خمس سنوات ومن خلال دورتين للهيئة في اعتماد قائمة التمثيل النسبي . لقد حاربوا اسلوب التمثيل النسبي ورفضوه في نقابة المهندسين , وقالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر , في حين نجدهم يبكون عليه ويطالبون به في قانون الانتخاب الذي اقر اخيرا وقد صنعوا منه قميص عثمان وجابوا في التبشير به الاقطار والامصار واعتبروا الديموقراطية ناقصة ومكبلة ان لم يطلق العنان للقوائم النسبة وبنسب عالية..
إذن هم ضد التمثيل النسبي في انتخابات المهندسين ومع التمثيل في الانتخابات البرلمانية والامر معروف فان كانت السيطرة لهم عطلوا كل الوسائل واغلقوا كل الطرق حتى يدركوا اهدافهم بل ويكسرون السلم الذي به يصعدون لتلك الاهداف وما زال مثال استيلاء حماس على قطاع غزة وانقلابها فيه على السلطة الفلسطينية ماثلاً فبعد أن تمكنوا من الوصول الى المقاعد البرلمانية في المجلس التشريعي وأخذوا الأكثرية ها هم يعطلون استمرار الانتخابات ويرفضون الحوارات الوطنية..
نعود لقانون الانتخاب الذي اقره البرلمان أمس الأول والذي جاء فيه صوتان واحد للدائرة وآخر للقائمة لنجد أن حزب جبهة العمل الاسلامي وامتداده في الاخوان يرفض القانون ويعترض عليه لزعم قلة التمثيل النسبي (17 مقعداً) حيث المطلوب مضاعفة المقاعد في هذا التمثيل..
انكشف الامر في اعتقادي والمسألة ليست في تعديل هذا القانون أو ذلك أو زيادة هذه النسبة أو تلك..فهم يدركون ان لا احزاب أردنية قادرة على منافستهم امام صناديق الاقتراع على اساس حزبي خلاف منافستهم في النقابات حيث التعددية السياسية والحزبية أوضح ولذا فإنهم يريدون الكعكة كلها بالاسلوب الذي يمكنهم في الوصول وقد يحرم غيرهم في حين يختارون في النقابات وخاصة المهندسين الاسلوب الذي لا يمكن غيرهم من الاحزاب من الوصول ساعة ان فازوا بمقاعد الهيئة الادارية ..
الاخوان المسلمون في الأردن وحزبهم جزء من الطيف السياسي الاردني ومن مصلحة الدولة وحتى الاحزاب والتكوينات السياسية والاجتماعية الاخرى اقرار ذلك واحتواء رغبتهم في الجموح أو اجتياز حقوق الغير..ولكنهم امام حالة الانتظار والانبهار بما يجري في ساحات أخرى اقليمية وفي عالمنا العربي يريدون وبسرعة سحب التجارب الاخرى التي فازوا فيها دون مراعاة لاي اطراف أخرى..
حين قامت الثورة في مصر وانشغل شباب ثورة 25 يناير بتأكيد الثورة وانتصارها وواجهوا ما واجهوا في ميدان التحرير كان الاخوان المسلمون يتربصون ويضعون عيونهم عل مفاصل الدولة الرئيسة والمواقع الهامة فيها وقبل ان ينقشع غبار الثورة او يزول دخانها قفزوا الى البرلمان المصري واحدثوا تشريعات ضمنت وصولهم وسنوا قوانين تخدمهم واخذوا البرلمان قبل أن يستفيق المصريون ويحتكموا للقضاء والمحكمة الدستورية التي طالبت بحل البرلمان..
المشكلة مع الاخوان المسلمين هي في قبولهم للصناديق والانتخابات حين تخدمهم وفي قرارات المحاكم الدستورية حين تلبي اهدافهم وهم ضد كل ذلك حين لا ينسجم مع رؤيتهم ومصالحهم ومن هنا الخلافات فهم يحذرون في مصر سلفاً من انهم لن يقبلوا فوز غيرهم حين يدعون بفوزهم سلفاً ويعتبرون فوزهم جزء من العناية الالهية وتحقيق ارادة الله كما قال احد زعمائهم هنا قبل اربعة أيام ..
الاخوان المسلمون عندنا وحتى في بلدان عربية اخرى هم براغماتيون ولديهم درجات عالية من الانتهازية السياسية وهذا وصف وليس ذم ولكنهم لا يقبلون ان توصف ممارساتهم التي تصب في هذا التوصيف ويصرون على وصف انفسهم بعكس افعالهم...
حاربوا الى جانب الاميركيين في افغانستان واسرجوا خيولهم ضد الكافر السوفييتي وأصبحوا جزءاً من السياسة الاميركية وان اختلفوا معها في الظاهر الى أن تصالحوا معها في الربيع العربي ومساراته وحتى نتائجه في العديد من البلدان العربية..
حين يكونوا في المعارضة يتحدثون شيئاً وحين يحتلون السلطة يفعلون اشياء أخرى ولسنا بحاجة الى تقديم الامثلة الماثلة الان في أكثر من ساحة..فإن هب الهواء لصالحهم ذروا وان لم يهب أزموا وافتعلوا..هذه سياسة قد لا يلامون عليها الا بمقدار ما يعملون على خلطها مع الدين الذين حولوه الى مطيّة ووسيلة انتخابية وقد انطبق عليهم قول الفيلسوف ابن رشد «واما الدين فإنه ابن رضيع للسياسة»...