استقلال القضاء

اخبار البلد_ هاني الدحلة _ القضاء في معظم دول العالم له وضع خاص يتميز بالاستقلال عن باقي الدوائر الحكومية، ويتمتع القضاة فيه باستقلال مقصود منه المحافظة على أوضاعهم دون تدخل من أي سلطة؛ لضمان قيامهم بأعمالهم بحياد واستقلال عن أي ضغط، أو طلب من رئيس أو مسؤول.

ولذلك نصت قوانين استقلال القضاء على أن يكون تعيين القضاة ونقلهم وانتدابهم وإنهاء خدماتهم في يد السلطة القضائية نفسها، حتى لا يكون للسلطة التنفيذية أي قدرة على نقل القاضي أو انتدابه أو إنهاء خدماته؛ بسبب قرار صادر عنه، أو عدم امتثاله لطلب من السلطة.

ولكن هذا الاستقلال يكون شكلياً في أحوال كثيرة! فرغم النصوص الوارة في القانون نجد أن هناك تقاليد وأوضاع ما تزال سارية المفعول، تبيح التدخل في شؤون القضاء بغض النظر عن قوانين استقلال القضاء ونصوصها؛ بدليل أن رئيس محكمة التمييز تغير خمس مرات خلال سنتين ونصف برغبة من السلطة التنفيذية.

بينما المفروض من رئيس السلطة القضائية أن يظل في مركزه حتى يقرر هو احالة نفسه على التقاعد، برغبته المنفردة وظروفه الصحية.

ومن المعروف لدى الخاصة، والمطلعين على الشأن القضائي، أن أحد رؤوساء محكمة التمييز أحيل على التقاعد وهو في زيارة رسمية بدعوة من جهاز قضائي في بلد عربي شمال إفريقية! وآخر أحيل على التقاعد وهو في إجازة رسمية! وغير ذلك من وقائع لا داعي لذكرها.

مما يدل على أن السلطة التنفيذية ما تزال تسيطر فعلاً على تعيين رئيس المجلس القضائي، الذي هو رئيس محكمة التمييز، بل إن القانون الذي أجاز تعيين رئيس محكمة التمييز وحده، بقرار غير صادر عن المجلس القضائي، قانون غير دستوري؛ لأن هناك نصاً صريحاً في الدستور وفي المادة 97 منه، على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وفي المادة 101 من الدستور جاء أن المحاكم مفتوحة للجميع، ومصونة من التدخل في شؤونها.

وجاء في المادة الثانية من قانون استقلال القضاء، أن قضاة المحاكم النظامية والعدل العليا وممثلي النيابة العامة لدى تلك المحاكم، والأمين العام للوزارة، والمفتش، وأي قاض يعود تعيينه للمجلس القضائي.

ولذلك فإن تعيين رئيس محكمة التمييز دون قرار من المجلس القضائي مخالف لقانون استقلال القضاء، كما يظهر من تعريف كلمة قاض الواردة في المادة الثانية من قانون استقلال القضاء.

ومما يدل على وجود تناقض بين النصوص في كل من الدستور وقانون استقلال القضاء؛ مما يستدعي اتخاذ الإجراءات القانونية لإزالة هذا التناقض.

ومثال آخر على عدم احترام استقلال القضاء، هو وجود محكمة أمن الدولة وهي خارجة عن نطاق الجسم القضائي، وتتبع رئيس الوزراء! ومن المعروف أن المحاكم الاستثنائية لامكان لها في الأوضاع العادية، بل هي تشكل فقط في ظروف الطوارئ والأزمات وحالة الحرب، وغيرها من الحالات الاستثنائية. وأن وضع محكمة أمن الدولة ضمن التعديل الدستوري الأخير سابقة خطيرة؛ لأن الدستور يجب أن يكون لضمان حقوق المواطنين، لا للانتقاص منها.