في الحكاية التوراتية، أنّ خراب الهيكل الأول تمّ على أيدي البابليين، قبل 2598 عاما. لِيَلِيه خراب الهيكل الثاني، على أيدي الرومان، بعد ذلك بـ 658 عاما. ومِن ثمّ سقوط «بيتار»، ونهاية تمرّد « بار كوخفا «، بعد ذلك بـستين عاما، وخراب الدولة اليهودية، وبدء «شتات « يهودي، استمر 1800 عام، باعتبار أنّ قيام دولة إسرائيل أعلن بداية النهاية لذلك الشتات والتيه..!؟
ثلاثُ مفردات يشكّل غيابها عن وثيقة « الإستقلال «، لِما يسمّى « دولة إسرائيل «، مغزى خاصاً، وهي: « الله «،»الديمقراطية»، و»القدس». فكلّ هذه الكلمات، بما تحمله مِن دلالات مفصلية لفكرة إقامة الدولة الصهيونية، لم يرِد ذكرها في وثيقة الاستقلال العتيدة..!؟
هذا ما يؤكّده الجنرال احتياط «عوزي ديان»، الذي كان رئيس مؤتمر (إسرائيل – سديروت للمجتمع)، في مقالة كتبها قبل نحو عامين، بعنوان (التاسع من آب: التقريب بين تل ابيب والقدس).
« ديان «، يعتقد أنّ « بذور الغربة بين (دولة تل أبيب) و(دولة القدس)» تمّ زرعها في وثيقة الإستقلال. والمقصود طبعا هو الصراع الفعلي القائم على الأرض، بين الإسرائيليين أنفسهم، حول عاصمة الدولة العتيدة ومركزها، بين كونها « تل أبيب « القائمة وبين القدس المأمولة.
فالقدس كعاصمة مأمولة تتقوّض، بحسب رؤية» ديان «. فهي اليوم أفقر مدينة في «إسرائيل»، يدرس أكثر من ستين في المائة من أبنائها في مؤسسات تربية غير صهيونية (لا تنتمي الى التيار الرسمي، او الرسمي – الديني)..! ويتركها آلاف الشباب كل عام، ويهجرها كثيرٌ مِن الإسرائيليين، وتكوينها السكاني أخذ في التأزّم، ليصبح قابلاً للإنفجار في أية لحظة، بل وأكثر مِن ذلك لا تزال حدودها غامضة، ومُختَلف عليها.
في التاريخ الصهيوني القريب، هناك مَن يزعم أن سبب غياب الكلمات الثلاث هو أنّ «الآباء المؤسسين « لم يشاؤوا المسّ بالقضايا الحسّاسة (حدود البلاد والقدس، التي كانت آنذاك مطروحة للتدويل، الذي أيّده بعض أعضاء الحركة الصهيونية). كما أنّ هؤلاء يزعمون «أنهم اهتموا برؤساء الحركة الصهيونية العلمانية»، وسعوا الى مداراتهم، في تبرير لغياب العنوان الديني، المتمثّل بمفردتي (الله والقدس).
أما غياب مفردة الديمقراطية، عن وثيقة استقلالهم، فلا يجد هؤلاء وسيلة للدفاع، سوى العودة الى ما كتبه «جابوتنسكي»، في الثلاثينيات مِن القرن العشرين : «هل أنتم ساذجون جداً حتى تعتقدوا أن وزيراً إنكليزياً أو إيطالياً أو فرنسياً يعلم أنه توجد تل أبيب أو ريشون ليتسيون أو رحفوت؟ كلا! قالوا: إنه يجب إعطاء الشعب العبري أرض إسرائيل لأنّ تيتوس طرد إسرائيل عن أرضه قبل ألفي سنة. وشعب إسرائيل عندما خرج قال : (كلها لي...) «.
(كُلُّها لي...)، ربما كانت هي العبارة التي ينبغي تذكّرها، مِن الجميع، كجذرٍ سياسي مكوِّنٍ لكلّ مَن آمن واعتقد بالمشروع الصهيوني..!؟