الناس اللي تحت


ثورة الربيع الأردني لم تبدأ بعد، والدليل أن الغالبية الساحقة من الشعب الأردني ما زالت لا تعرف حقيقة ما آل إليه حالها ،وذلك لأن حقيقة ما آل إليه حالها مرتبطة بحال من قفزوا لمواقع الحكم والثراء الفاحش عبره ، فقرروا دفعa الشعب بأقدامهم، أو بأحذية بلطجيتهم، كي لا يطلّ على عالم " حديثي النعمة " وسكاراها أولئك ، ولا يعرف بالتالي ماذا يموّل من عرقه ودمه ودموعه.

ونورد على هذا أمثلة مما ينشر ويقال، ونبدأ بالأحدث. فأحد من أتى بهم قانون الدوائر الوهمية، نائب أراد استرضاء قواعده المفقرة المجوعة، فألقى ما اعتبره " خطبة بليغة " ( ونقلتها صحف ومواقع باعتبارها كذلك!) ، أثناء مناقشه قانون ضريبة المبيعات، طلب فيها عدم شمول أطعمة القطط والكلاب بالضريبة لأنها " ستصبح طعامنا في المستقبل". والنائب قصد بهذا استرضاء عشيرته التي تقطن الجنوب وتحديدًا محافظة الطفيلة المهمشة المفقرة.

ومع أن النائب موسر ككل النواب " العشائريين "، كون نفقة حملات هؤلاء ضخمة لأنها تقوم على تقديم وجبات المناسف الأردنية والتحلية بالكنافة النابلسية لكل من يأتي لصوان المرشح ( أحد أبرز استثمارات التجويع للتركيع )، إلا أن قوله هذا دليل على أنه حتى من يعتبرون أثرياء العشائر ونخبها، أغلبيتهم ما زالوا بسطاء ومهمشين وبعيدين عن حقائق بذخ مستجد يدفع المواطنون ثمنه. فتلك قطط وكلاب لا تطعم بواقي الموائد ، كما في خبرة كل الأردنيين، بل أطعمة ثمنها يفوق كثيرًا ثمن أطعمة البشر. لهذا هي لن تصبح طعام الأردنيين نتيجة الإيغال في إفقارهم.. ولكن بقية أرز وعظام " المناسف الرسمية " ، أصبحت كذلك منذ أمد ، والنائب المحترم يغفل تلك الحقيقة التي يعرف ويبحث فيما لا يعرف عن صورة مجازية ، فتخذله.

وفي ذات جلسة مناقشة ضريبة المبيعات، جرى رفض فرض ضريبة مبيعات على الخمور والسجائر وتذاكر الدرجة الخاصة. وإذا استثنينا الاعتراضات الدينية ( تحريم أو اجتناب الخمر ) والصحية ( السجائر )، فإن تذاكر الدرجة الخاصة ظلت تعتبر من ضمن " نفقات الحكومة" الواجب تقليصها.

وهنا أيضًا تغيب لحد بعيد معرفة القطاعات الشعبية بما قام نوابهم" الافتراضيون" بإعفائه . فنحن لا نتحدث عن نبيذ محلي بعضه يصنع في البيوت، ولا عن سجائر أو خمور محلية أخرى يفر إليها المسحوقون من واقعهم، بل عن أنواع الخمور العالمية والتي يصل سعر الزجاجة منها لمئات الدنانير. وأقله أن مدخن السيجار العادي والشارب لأنواع " مقبولة " تذوقًا وليس " طبقيًا "، ينفق على ذوقه هذا أكثر مما تنفقه أسرة فوق خط الفقر ،المعتمد أردنيًا، على كامل معيشتها .. ووجبة الدرجة الخاصة على الطائرة ، بل وفي درجة رجال الأعمال، لا يعرف أغلب الأردنيين أسماء أطباقها أو كيف يتناولونها. والخبز فيها ( مع أنه من الأصناف "غير المدعومة " ) ليس جزءًا من الوجبة ، بل من المقبلات.. فيما الخبز المدعوم يشكل هم الليل ومذلة النهار عند العديد من الأردنيين ، يقفون لفروق سعره التي تعد بالقروش في طوابير الأفران ساعات الظهر القائظة التي يحصر إنتاجه فيها لدفع الشارين لشراء الخبز غير المدعوم .

وليس لإلهاب مشاعر الأردنيين، ولكن لإعطاء شيء جديد يتسلى به المصطفون في تلك الطوابير، أنقلهم للبرتقال الذي يقابل الخبز كفاكهة شعبية في منطقتنا، فهو يقدم أيضًا في الدرجات الخاصة على الطائرة ، ولكن مقشرًا.. ليس من قشرته الخارجية كما سيتوهم قومي البسطاء الكرماء الذين يقومون بتقشير البرتقال لضيوفهم هم أيضًا.. برتقال الدرجة الخاصة منزوع القشرة الداخلية عن " حزوزه " .. وهو ما لا يفعله المضيف الأردني باعتباره قد " يقرف " الضيف.

لا أمانع أيًا مما سبق من مظاهر ترف ولا أبيع الناس مزاعم زهد أو تقوى لم تطعم الشعب خبزًا ولا قطعت يد سارق واحد ،بل أدعو لإبقائها جميعًا في السوق كما على الطائرات، لأسباب وطنية تتمثل في إبقاء بلادنا وخطوطنا الجوية منافسه سياحيًا ..

ولكنني أسلط الضوء على عينات من سلع وخدمات اتخذت قرارات بإعفائها، أو أقله، رفض رفع ضريبة المبيعات عليها، وهي تحديدًا الضريبة التي يفترض أن تحمّل للثري الذي يستهلك سلعًا وخدمات كمالية أكثر، لدعم سلعة أو خدمة أساسية لحياة بشر هُمشوا وسُحقوا لدرجة أنهم باتوا لا يعرفون كيف تعيش القطط والكلاب " فوق ".