هل تستطيع الدولة حماية نائب؟

من تعليقات "تويتر" و"فيسبوك"، يمكن رصد مزاج شعبي دقيق. فما حصل مع النائب جميل النمري لم يكن حدثا معزولا، بل حلقة في سياق عام، كان الصحفيون يشاهدونه بأعينهم، وتوثقه كاميراتهم، بداية، إلقاء الحذاء هو جريمة يحاسب عليها القانون، مثل أي قدح وجرح وفعل حاط من الكرامة الإنسانية. وتصبح تلك الجريمة مضاعفة عندما تمارس من الطرف الأقوى، بقدر ما هي بطولة عندما يمارسها الطرف المستضعف. وقد احتفل المستضعفون بحذاء الزيدي في وجه بوش، وحذاء المصريين في وجه شفيق، وحذاء الحلبي في وجه مذيع تلفزيون السفاح، وأحذية المرابطين في الأقصى في وجوه جنود الاحتلال. ومن أكثر الصور بشاعة في الثورة السورية، صور جند الطاغية وهم يدوسون الأحرار. وتلك الصور هزت الضمير العالمي، وما زادت الطاغية وجنده إلا احتقارا في عيون العالمين.
في المشهد الربيعي العربي المفتوح، يقلد الضحايا بعضهم تماما كما يفعل الطغاة، ويغدو من مفردات العمل السياسي ورموزه، الإهانة والإذلال. وهو ما يعبر عنه الشبيحة والبلطجية والقوى القمعية غير الرسمية. بإمكان النائب النمري أن يرفع قضية على من اعتدى عليه، وسنكتشف مواقف النواب من الاعتداء؛ هل سيرفعون الحصانة عن نائب اعتدى على زميلهم، أم سيتضامنون مع المعتدي بتحصينه، خصوصا أنهم يمثلون، أقله شكلا، الركن الأول من الدستور في نظام نيابي ملكي، والاعتداء تم تحت القبة لا في موقف حافلات؟
كرامة المواطن لا تتجزأ، سواء كان نائبا أم معارضا أم مطلوبا للبحث الجنائي؛ فقيمة الفرد الإنسان هي ما يحدد قيمة الدولة. كل إنسان يمثل العلم الأردني، هل نقبل بإلقاء حذاء عليه أو دوسه؟ جوهر الديمقراطية والإصلاح هذا. والربيع العربي هو استجابة لتحدي الكرامة. في الأردن، ما نزال نتحدث عن الإصلاح، ولا نسأل الأسئلة البسيطة الأساسية بوضوح. ليست القصة قانون انتخاب، وهذا المجلس لم يكن متوقعا منه غير الذي صدر عنه. السؤال البسيط الأول: لماذا تغير قانون الانتخاب إلى الصوت الواحد المجزوء العام 1993 ومن الذي شرعه؟ التشريع هو من اختصاص مجلس النواب، يومها رضخت القوى السياسية لحسابات القوة وشاركت، وعلى رأسها الإخوان، في انتخابات تفتقر إلى النزاهة بالقانون وتقوم على أساس اعتداء السلطة التنفيذية على التشريعية. وبعدها زورت الانتخابات على مستوى الإجراء، وهو ما تكرر إلى آخر انتخابات.
كيف يمكن لمجالس توصف من منظمات مستقلة ومن النواب أنفسهم، بأنها مزورة، أن تنتج قانون انتخابات عصريا وعادلا؟ لي مآخذ كثيرة على أداء الزميل النمري، واختلف معه هنا على صفحات "الغد"، لكن أتضامن معه بالمطلق في ظل البلطجة التي تعرض ويتعرض لها، فكل مواطن سيدفع ثمن البلطجة إن لم توقف عند حدها.
إن الشجاعة ليست في الموقف من الدولة التي أصبحت مستباحة، ينتقدها ويهاجمها من كان لا يسمع صوتهم قبل الربيع العربي. الشجاعة اليوم أن نقف في وجه البلطجة، وهي  أسوأ التجليات الأمنية، وندفع عن رضا كلفة موقفنا، مهما كانت الكلفة. ليس من أجلنا، بل من أجل أبنائنا الذين يحتاجون دولة تحترمهم في الحد الأدنى، إن كان عاجزة عن إطعامهم وتعليمهم وعلاجهم.
ما حدث في مجلس النواب هو الصورة الحقيقية التي نخجل منها، لكن انكشافها سيسهم في تصحيحها. وعلى الدولة أن تجيب عن السؤال: هل هي قادرة على حماية نائب وأخذ حقه بالقانون؟ لقد اعتقل النواب من قبل لأنهم عزوا ذوي الزرقاوي، وهي إن كانت جريمة حسب فهم الدولة للقانون، تظل دون الاعتداء على نائب. بعد سماع جواب الدولة يمكن طرح أسئلة أكثر صعوبة وتعقيدا!