هل يتعلم " الإخوان" الدرس ؟

أعدّ المجلس العسكري الحاكم بمصر، مسرح الدمى من بطولة الرئيس المنتخَب؛ رئيس بلا صلاحيات سيادية احتفظ بها العسكر لأنفسهم، ومعها صلاحيات التشريع المأخوذة من مجلس الشعب المطرود.

مُباركٌ على الإخوان المسلمين!

ألم يخوضوا، في آذار 2011، ما سموه " غزوة الصناديق" لمنح العسكر شرعية الحكم في الاستفتاء على " الإعلان الدستوري" ؟ وقتها افتوا بأن التصويت ب (لا) على ذلك الإعلان هو كفر صريح! (من دون أصوات " الكفّار".. هل كان يمكن لمحمد مرسي أن يفوز بالرئاسة؟)

ألم يقدموا للعسكر الدعم الشعبي ضد الثوّار واليسار في كل منعطف سياسي، وفي كل مواجهة من ميدان التحرير إلى شارع محمد محمود، تاركين شباب الثورة يحصون شهداءهم وجرحاهم وعيونهم المصابة بينما " الإخوان" يحصدون المقاعد في مجلس الشعب؟
تواطأ العسكر مع " الإخوان" و" السلفية" لمنحهم الأغلبية البرلمانية الكاسحة. اليوم يتضح السبب. استخدم العسكريُّ الذكيُّ، الإسلاميَّ المهووسَ بشهوة السلطة و الاستئثار، لتمرير حكمه وهيئاته وقراراته، ثم، حين استنفده، رمى به إلى الرصيف، فلم يدافع عن برلمان الاستئثار أحدٌ. حتى " الإخوان" انشغلوا عن برلمانهم بانتخاب رئيسهم ..و لو كانت الرئاسة بروتوكولية.
ماذا لو كان مجلس الشعب تعدديا؟ هل كان العسكر يجرؤون على حلّه بهذه البساطة؟ ولكنهم اعتمدوا على حقيقة أن كل القوى السياسية المصرية، ما عدا " الإخوان" والسلفية، لهم مصلحة بحلّ المجلس والذهاب إلى انتخابات تشريعية جديدة.
ماذا لو وافق " الإخوان" على دعم مرشح القواسم المشتركة، عبد المنعم أبو الفتوح، في الانتخابات الرئاسية ؟هل كان العسكر سيجرؤون على سلب صلاحياته؟
ماذا لو امتثل " الإخوان" لصوت الضمير وسهّلوا تشكيل جمعية دستورية تعددية متوازنة، وبدأت العمل فعلا؟ هل كان العسكر يستطيعون إصدار إعلان دستوري مكمّل يشرّعون فيه اكتمال قبضتهم على السلطة؟
هل تعلّم " الإخوان" الدرسَ ؟ ناطق باسم حملة مرشحهم الرئاسي، تقدّم بالشكر إلى أنصار عبدالمنعم أبو الفتوح ( الإسلامي المستقل) وحمدين صباحي ( الناصري) وحركة 6 إبريل اليسارية،على دعم مرسي في الانتخابات. وهذه إشارة إيجابية حقا. ولكنها عابرة لم توضّح أن نصف أصوات النجاح لمرسي جاءت من خارج " الإخوان"، بل من أوساط مضادة للإخوان أيديولوجيا، لكنها أرادت التصويت نكاية بالعسكر ومرشحهم أحمد شفيق، لا تأييدا للإخوان. وهذه الحقيقة ينبغي أن تظل ماثلة أمام عينيّ مرسي؛ فلا تفويض شعبيا له يسمح بتنفيذ برنامج أصوليّ، بل تفويض للمواجهة مع العسكر الحاكمين.
رئيس بلا صلاحيات ولا تفويض ...أمامه طريقان: الأول طريق التواطؤ مع النظام القديم . وهذه محرقة. والثاني، طريق التفاهم مع القوى الوطنية والاسلامية والناصرية واليسارية والديموقراطية لخوض معركة التغيير. وهو طريق صعب على " الإخوان" المبتلين بشهوة السلطة وأداتها: الانتهازية.
كانت معركة الانتخابات الرئاسية لتكون لحظة فاصلة في تاريخ مصر، لو حسم مرشح من المعارضة، الموقف من الجولة الأولى ب 15 ـ 20 مليون صوت... لكن إلحاح " الإخوان" على ترشيح مرسي، رافضين الاجماع حتى على إخواني سابق ( أبو الفتوح)، حوّل أي فائز بمنصب الرئاسة إلى " بطة عرجاء". فالمؤيدون الفعليون للرئيس مرسي لا يزيدون كما أظهرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، على 5 ـ 6 ملايين من أصل 50 مليون ناخب مصري، أي بما لا يزيد على 10 بالمائة. وهذا يحدث في الديموقراطيات الراسخة حين تكون المهمات المطلوبة من الرئيس، مهما اشتطّ، تتم داخل النظام لا خارجه. لكنها ليست نسبة كافية لتحطيم نظام قديم، ظهر متعادلا في الشعبية مع المعارضة.
صباحي وأبو الفتوح عرضا على مرسي، الانسحاب من جولة الإعادة، وتشكيل مجلس رئاسي في "ميدان التحرير" يقود الثورة ويصحح مسارها، لكنه رفض، مصرا على تحقيق شهوة الرئاسة بأيّ ثمن حتى لو كان ما يحصل عليه مجرد منصب شرفي.
لا جديد في مصر... السلطات الأساسية كلها وعناصر القوة كلها، في يد المجلس العسكري، إن التزم الرئيس الإخوانيُّ، الطاعة، بقي وخسرـ مع إخوانه ـ ما بقي لهم من شعبية، وإنْ تمرّد، فسيواجه العزل والحصار في قصر القبة !