كنت وكلما اتعرض الى شجار مقترح من بعض الشريرين في مطلع شبابي اخاطب نفسي عليك ان لا تتعجل في الرد وتقع في الحمق الشجاري، الذي من الممكن أن يقودك الى المخافر والصلحات والعطوات العشائرية، وكان هذا المنلوج الداخلي يتولد فيّ بسبب اني كنت أعد نفسي ككاتب وكمثقف.
وقد جعلني هذا التريث في عدم الاقدام على الشجار، يجعل الآخر الشرير يعتبر هذا التهادن معه حالة من الجبن وعدم القدرة على المواجهة، وكثيراً ما كنت أدفع ثمن هذا التهادن الذي كنت اعتبره انتصاراً للثقافة والتحضر.
لكني ذات مرّة وبسبب تمادي الطرف الشرير معي، ومحاولته استثارتي واتهامي بالجبن، لا أدري كيف خرجت عن طوري وكيف رفعت قدمي على شكل زاوية قائمة، ودفرته بكل ما أوتيت من قوة في صدره، ما أذهلني هو أن هذا الشرير أخذ يتلوى على الأرض ويستغيث بالمارّة باكياً، وهو يئن.
الى ذلك استهديت الى مقولة كنت أرددها دائماً بيني وبين نفسي، وحتى مع الاصدقاء وهذه المقولة باختصار هي «عليك ياخليل ان لا تثقف روحك بشكل كامل ودع مساحة للتخلف في روحك ذلك أن بعض الآخرين سيجبرونك على الاستنجاد برصيدك من الأمية والتخلف في لحظة نقاش عابرة أو حتى في لحظة شجار عابر».
والحال انك وحين تعيش في مجتمع ما زال يؤمن بالصفعة المباغتة أو اللكمة المسددة للأنف في لحظة شر بائنة، تكون في أمس الحاجة الى التخلي عن كل المعطيات الثقافية التي راكمتها في روحك عبر القراءات والنقاشات والندوات، والذهاب هناك الى المساحة المتخلفة في روحك، تلك المساحة التي تدخرها لزمن الحاجة حيث لا ينفعك شيء سوى علو الصوت واقدامك على اجتراح الصفعة او على اللكمة الأولى.
بالمناسبة هذه ليست دعوة للشر والاستعداد الدائم لاستقبال الشجارات والتعامل معها، بل هي دعوة في ان تستعد لحماية نفسك في المجتمعات التي مازالت تؤمن بالشجار كحل جذري لمشاكلها مع الآخرين.