الملكة نور نظرت إلى الأمير عبد الله وعانقته وقالت: "الملك مات... عاش الملك"

اخبار البلد_ في 21 يناير (كانون الثاني) 1999 أرسل الأمير حسن خطابا إلى شقيقه الملك حسين طالبا منه تأكيدا لموقعه كوصي على العرش، وذلك بعد ما اشتدت الشائعات والتكنهات حول احتمال حصول تغيير في ولاية العهد بعد عودة الملك من رحلة العلاج في مايو كلينيك. وفي يوم الجمعة 22 يناير التقى الملك حسين شقيقه وافترض معظم المراقبين أنه في ذلك اللقاء ابلغ الملك شقيقه الأمير حسن لأول مرة بقراره بتنصيب الأمير عبد الله وليا للعهد، إلا ان الأمر لم يكن كذلك. فالأمير حسن حسب روايته للأحداث فيما بعد لم يعلم بقرار تنحيته إلا في 25 يناير عندما تلقى مرسوم الملك بإعفائه من واجباته كولي للعهد.


وتروي حلقة اليوم من كتاب أسد الاردن الذي إنفردت «الشرق الأوسط» بنشر حلقات منه بالاتفاق مع دار نشر بنغوين ومؤلفه آفي شليم تفاصيل عن الأسابيع الأخيرة في حياة العاهل الأردني الراحل وكيفية اتخاذ قرار التغيير في ولاية العهد.


لقاء الملك حسين غير المتوقع مع الأمير حسن في لندن مايزال مثيرا لبعض الحيرة والارتباك، وعكس أيضا التعقيد الواضح في موقف العاهل الأردني تجاه شقيقه ولي العهد. فمن ناحية أعرب الملك حسين عن ثقته فيه وامتنانه لمشاركته في تحمل أعباء المُلك، كما انه تحدث عن شقيقه الأمير حسن مع رئيس الوزراء، وذلك في إطار تقريره حول البرلمان، واصفا إياه بـ«قرة العين»، الأمر الذي يعكس المكانة الخاصة للأمير حسن في نظر الملك حسين. ومن الناحية الأخرى، كان احتمال عزل الأمير حسن من ولاية العهد، وبالتالي من تولي العرش فيما بعد، واردا في ذهن الملك حسين في ذلك الوقت، على الرغم من انه لم ينطق بكلمة واحدة حول الأمر.


ترى، ما الذي دعا الملك حسين إلى إخفاء مشاعره الحقيقية حول شقيقه الأمير حسن في ذلك اللقاء؟ هل كان شعورا باللطف والود، أم انها مشاعر اللقاء بعد فترة طويلة، أم كانت قسوة من جانبه؟ هل واجه صعوبة في إبلاغه بالحقيقة وجها لوجه واعتقد، من باب اللطف والعطف، انه من الأفضل الخوض معه في ذلك اللقاء في الحديث حول خطط لمستقبل يدرك الملك حسين سلفا انه لن يتحقق أصلا للأمير حسن؟ أم ترى أن الملك حسين كان يخشى من أن يتخذ الأمير حسن خطوات لعرقلة إحداث تغيير في نظام خلافة العرش، وآثر الملك بدهاء خلق شعور زائف بالأمان لدى شقيقه؟ أم ترى ان المرض أصابه بالارتباك ولم يعد قادرا على العمل باستراتيجية واضحة؟

ربما لا نتوصل مطلقا إلى إجابات قاطعة لهذه الأسئلة.


قبل بضعة أيام من مغادرته العاصمة البريطانية عائدا إلى الأردن جرى تسجيل خطاب للملك حسين يعلن فيه عودته الوشيكة إلى البلاد، لكنه تعرض في اليوم التالي لارتفاع في درجة الحرارة، وأوصى طبيب من مايو كلينيك كان مرافقا لهم بإجراء عملية سحب من نخاع العظم إلى جانب عملية نقل الدم المعتادة، وذلك في آخر زيارة لهم إلى مستشفى «سينت بارثولوميو» في لندن قبل رحلة العودة إلى الأردن. وكان لقرار الطبيب أثر سلبي بالغ على معنويات الملك حسين، خصوصا بعد أن أعلن رسميا عن عودته الوشيكة للأردن.


غادر الملك حسين وأفراد أسرته وبقية مرافقيه انجلترا في طريقهم إلى الأردن يوم الثلاثاء 19 يناير (كانون الثاني) 1999 على متن طائرة أردنية قادها الملك حسين بنفسه على الرغم من الإرهاق الذي كان يشعر به، وكان في انتظاره استقبال أبطال في العاصمة عمان. ترجل الملك حسين من الطائرة بنفسه وسجد عندما لمست قدماه تراب الأردن، وكانت تقف إلى جانبه الملكة نور وقرأت معه الفاتحة حمدا لله على عودتهم إلى الوطن بسلام، وكان في استقبالهم لدى نزولهم من الطائرة أفراد الأسرة وأعضاء في البلاط وشخصيات عربية.


كان عدنان أبو عودة، المستشار السياسي للملك، من بين المسؤولين الذين كانوا في استقباله، ووصف أبو عودة تلك اللحظات في لقاء أجري معه قائلا: «بدا الملك حسين واهنا لدى وصوله إلى المطار. تلقى جميعنا تعليمات بعدم تقبيله وعدم الحديث معه لأن جسده كان ضعيفا، وأطعنا التعليمات، لكنه امسك بيدي لفترة. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 1998 تركت له رسالة تهنئة بعيد ميلاده في منزله بواشنطن، وقال لي عندما وصل إلى مطار عمان: أبو سعيد... أنا آسف انني لم أكن في المنزل عندما اتصلت للتهنئة بعيد ميلادي. كيف حال اُم سعيد والأبناء والبنات؟ رددت قائلا: كلنا بخير ولكننا منشغلون بالتفكير في صحتك، وتمنيت له ان يتماثل للشفاء سريعا. هذا هو الملك حسين إنسانا صادقا ودمث الأخلاق. كان عطوفا ونبيلا ومراعيا لشعور الآخرين. كان يعاني من تدهور الصحة والمرض لكنه كان ينظر إلى الآخرين بعين العطف بدلا من أن يكون هو محل عطف الآخرين. كان رجلا عظيما. كان ذلك هو الملك حسين ينظر بصدق إلى الآخرين بعين العطف».


على الرغم من الطقس الممطر في ذلك اليوم، اصطف مئات الآلاف للترحيب بعودة العاهل الأردني في طريقه من المطار باتجاه «باب السلام». طلب الملك حسين فتح نافذة سقف السيارة لكي يحيي الجموع التي اصطفت على طول الطريق لاستقباله، إلا أن الملكة نور حاولت إثناءه عن ذلك، لكنه بدا مصرا وقال: «ما دام المستقبلون وقفوا في هذا الطقس الممطر، فأنا أيضا يجب أن أفعل ذلك».


ولدى وصولهم إلى القصر كانت ملابس الملك حسين قد ابتلت تماما.


أجرت كريستيان آمانبور، مراسلة شبكة «سي ان ان»، مقابلة في اليوم التالي مع الملك حسين وسألته عن خططه وأجابها بأنه ظل باستمرار يؤمن بالقضاء والقدر ويدرك أن هناك بداية ونهاية للحياة وانه يشعر الآن بذلك أكثر من أي وقت مضى. قال لها أيضا إن قلقه ليس على نفسه وإنما على الأردن والشعب الأردني واستقراره وتقدمه. وجهت كريستيان أمانبور سؤالا آخر للملك حسين، حول ما إذا كان ذلك يعني أي تغيير في خطته بأن يصبح ولي العهد الأمير حسن خلفا له في العرش. تهرب الملك حسين من الإجابة المباشرة، وقال إن أداء الأمير حسن كان جيدا وايجابيا طوال السنوات التي قضاها إلى جانبه، لكنه ألمح ضمنا إلى أن الأمير حسن ربما لا يكون الشخص الأنسب في الأسرة المالكة لخلافته. لدى تهرب الملك حسين من الإدلاء بإجابة واضحة ومباشرة طلبت منه كريستيان أمانبور الإجابة بـ«لا» أو «نعم» على ما إذا سيكون هناك تغيير في ترتيبات خلافة العرش الموجودة أصلا، أي أن يصبح ولي العهد، الأمير حسن، خلفا له على عرش الأردن.


هنا أجاب الملك حسين قائلا انه ليس على استعداد لقول أي شيء في هذا الموضوع وإنه لم يتوصل بعد إلى أي شيء وإن كل ما في ذهنه أفكار وتصورات. وقال في معرض إجابته أيضا إن عليه اتخاذ القرار النهائي وإن هذه مسؤوليته وسيتوصل إلى قرار في الوقت المناسب. لم تبدر من الملك حسين أي إشارة إلى أي مرشح آخر محتمل لتولي العرش بعده، ولم تبدر منه إشارة ولو بطريقة غير مباشرة إلى أي من أبنائه. كان بوسعه التفكير في الأمير عبد الله أو حمزة، لكنه آثر فيما يبدو ترك خياراته مفتوحة. بات الأمير حسن يشعر باستمرار بنوع من عدم الطمأنينة على موقعه كولي للعهد. كان يريد ان يقابل شقيقه الملك في أسرع فرصة، إلا انه اضطر للانتظار ثلاثة أيام كي يقابله. وفي 21 يناير (كانون الثاني) 1999 أرسل الأمير حسن خطابا إلى شقيقه الملك طالبا منه تأكيدا لموقعه كوصي على العرش، وكان الخطاب مكتوبا باسلوب رفيع باللغة العربية الفصحى التي كان الأمير حسن يتقنها تماما.


استُدعي الأمير حسن إلى قصر باب السلام لمقابلة الملك يوم الجمعة 22 يناير (كانون الثاني)، وبعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ صدر مرسوم ملكي، أقيل الأمير حسن بموجبه من موقعه كولي للعهد.


معظم المراقبين افترض أن لقاء يوم الجمعة 22 يناير كان اللقاء الذي ابلغ فيه الملك حسين شقيقه الأمير حسن لأول مرة بقراره بتنصيب الأمير عبد الله وليا للعهد، إلا ان الأمر لم يكن كذلك. فالتفاصيل الوحيدة المتوفرة لما دار في ذلك اللقاء بين الشقيقين جاءت في خطاب كتبه الأمير حسن بعد ثلاثة أيام من عزله إلى شقيقه الملك، وهو خطاب عبّر فيه الأمير حسن عن فرحته بعودة شقيقه إلى البلاد في 19 يناير (كانون الثاني)، ثاني أيام عيد الفطر:


«مرت بعد ذلك الحدث السعيد ثلاثة أيام من دون أن نلتقي.


وتحدثت وسائل الإعلام خلال هذه الفترة حول قرار محتمل من جلالتكم بإعفائي من مسؤولياتي كولي للعهد ووجهت كل أنواع المزاعم والاتهامات ضدي ونسبت هذه الادعاءات إلى مصادر مسؤولة وغير مسؤولة.


تشرفت مساء يوم الجمعة 22 يناير 1999 بلقاء جلالتكم، وكان اللقاء أخويا والحديث صريحا، وذكرت لجلالتكم تقارير وسائل الإعلام. وجهتني صاحب الجلالة بعدم إبداء أي اهتمام لهذه الأنباء، وطلبت من جلالتكم معرفة ما يجب علي عمله فيما يتعلق بواجباتي كولي للعهد، وطلبت مني الاستمرار في أداء واجباتي كالمعتاد مؤكدا ثقتكم المطلقة في ولائي وإخلاصي. على الرغم من ذلك سلمت جلالتكم خطابا أكدت فيه استعدادي لخدمتكم، وهو الخطاب الذي أصدرتم تعليمات بنشره. صدر بعد بضعة أيام في 25 يناير، مرسوم جلالتكم بإعفائي من واجباتي كولي للعهد. وفي مساء نفس اليوم تلقيت الخطاب الملكي من جلالتكم».


انتهى على نحو مفاجئ كل الالتباس والتهرب الذي ساد أجواء العام السابق. جرى استدعاء رئيس الوزراء فايز الطراونة وابلغ رسميا بقرار الملك حسين الذي عُين بموجبه الأمير عبد الله وليا للعهد عقب إعفاء الأمير حسن. أطلع الملك حسين أيضا رئيس الوزراء على الخطاب الذي وجهه إلى الأمير حسن، وهو خطاب مختصر وودي شكر فيه الملك شقيقه الأمير حسن على خدماته.


وعلى الرغم من الأثر السلبي البالغ لقرار إعفائه، فإن الأمير حسن تقبل الأمر بهدوء وروح طيبة، وأبلغ الملك بأنه كان خادما متواضعا وانه سيلتزم بالقرار.


كانت هناك ثلاثة خيارات أمام الأمير حسن، فاما أن يحاول إجهاض تغيير ترتيبات تولي العرش، أو أن يتوجه إلى المنفى في لندن، أو أن يبقى في الأردن ويلتزم الصمت بكرامة. وكان من الواضح انه آثر الخيار الأخير منذ البداية. فالقيام بانقلاب مضاد كان أصلا أمرا مخالفا لطبيعته، بل انه لم يفكر في ذلك مطلقا. يضاف إلى ذلك ان الأمير حسن تصرف بهدوء واتزان وحكمة سياسية خلال الأزمة، بل عرض في وقت لاحق تقديم المساعدة في جعل عملية الانتقال أكثر سلاسة وهدوءا.


عقب التقائه كل من الأمير حسن ورئيس الوزراء فائز الطراونة استدعى العاهل الأردني الراحل ابنه الأمير عبد الله، وكان ذلك اللقاء، كما يتذكره عبد الله الذي أصبح ملكا بعد وفاة والده، مؤثرا ومؤلما: «لم يكن والدي في حالة صحية جيدة، وقال لي: لعدد من الأسباب أردت ان أقول لك منذ فترة طويلة ما أود قوله الآن. ما أود أن أقول لك هو ان كل ما افعله إعادة لكتابة التاريخ. ظللت أنت وليا للعهد منذ ولادتك، وأريدك ان تصبح وليا للعهد مرة أخرى، وهناك سببان. قلت له: سيدي، هذا أمر لم أكن أريده على الإطلاق. لا أريد أن أشغل هذا الموقع. قال لي: هذا واحد من الأسباب وراء رغبتي في أن تشغل أنت هذه الموقع. السبب الآخر هو انك من بين سائر أعضاء الأسرة قادر على إقامة التوازن اللازم».


وقال الملك عبد الله انه نشأ كإبن أكبر في الأسرة وكان يعامل الكل بإنصاف ويرعى الجميع ويحتفظ بعلاقة جيدة مع كل إخوانه وأبناء عمه، وكان ذلك كما يقول، أمرا مهما بالنسبة لوالده.


ويستطرد الملك عبد الله قائلا حول ذلك اللقاء مع والده الملك الراحل: «وماذا عن الأمير حسن؟ قال لي: اسمع، أنا لا أشعر بأن صحتي على ما يرام... سأعود. قلت له: وماذا سيحدث إذا حدث لك أي شيء؟ إذا كانت رغبتك ان أصبح وليا للعهد، فيجب ان اتخذ قرارا حول من الذي سيعمل معي. الأمر كان صعبا على والدي في ذلك الوقت. قلت له: والدي، استنتج مما تقوله لي انك تريد إبلاغي بانك تعتقد أنك لن تعيش.


سادت لحظة صمت ونحن نحاول التعامل مع واقع الوضع الذي كان يواجهه، وقال: «انه شقيقي وعمك، لذا حاول أن تفعل ما بوسعك». لم يكن فخورا، وواصل حديثه قائلاً «أنت ابني. لدي ثقة كبيرة بك طوال هذه السنوات وأريدك ان تتولى هذه المسؤولية». لكنني شعرت أنه كان يتمنى لو أن الأشياء استمرت على ما هي عليه. لا أعرف ما إذا كان من باب الإنصاف ان أقول انني اعتقد انها كانت خيبة أمل هائلة له انه ساعده الأيمن على مدى 34 سنة، وهو شقيقه في نهاية الأمر، ووجد أنه يتخذ قرارا بأن شخصا ظل معه طوال هذه السنوات ليس الشخص الذي يريده للمسؤولية.


لا يزال الحديث للملك عبد الله حول ذلك اللقاء مع والده الملك الراحل: «قال انه بدأ يشعر بالتعب. وكان أمامي خمس دقائق أخرى لتوجيه المزيد من الأسئلة، وكنت في واقع الأمر في حاجة إلى ستة شهور لطرح الأسئلة عليه. أشّرت فقط إلى الأسئلة التي كنت اعتقد انها الأكثر أهمية. المحزن في ذلك الحديث لم يكن حول ولاية العهد وإنما لأنه قال إنه لن ينتصر في معركته مع المرض. كانت تلك صدمة. لم يكن المنصب يهمني، وقلت له أنت الذي تهمني. دار الحديث بعد ذلك حول ضرورة ان نضع العواطف جانبا وان نتعامل على نحو عملي. لم أكن مستعدا لذلك».


بإعفاء الأمير حسن وتعيين الأمير عبد الله مكانه وليا للعهد ظل موقع الأمير حمزة غير مؤكد. فعلى العكس من التقارير التي أوردتها وسائل الإعلام، قالت الملكة نور إنها ظلت باستمرار تقف إلى جانب التحاق الأمير حمزة بالدراسة الجامعية وتطوير قدراته ورغباته الفكرية. وأشارت إلى أن والده أعرب عن رغبته في أن يحقق الأمير حمزة ما لم يحققه هو في مجال التعليم وأن يكون شريكا أساسيا لعبد الله، وتؤكد الملكة نور انها أيدت قراره تماما. عقب ذلك اللقاء مع والده التقى الأمير عبد الله الملكة نور، وقالت له إنه يهمها ان تبلغه بتأييدها الكامل لاختيار والده له وليا للعهد وتأكيد ثقتها فيه، وأكد لها الأمير عبد الله انه سيكون دائما في خدمتها وانه سيحترم رغبات والده فيما يتعلق بالأمير حمزة، وردّت عليه الملكة نور مؤكدة انها ستقف إلى جانبه بكل ما تستطيع وستحرص على توفير أكبر قدر ممكن من الوقت كي يعمل مع والده.


غادر الأمير عبد الله وقد تملكته الدهشة إزاء موقف الملكة نور وأبلغ زوجته، رانيا، بما جرى. برر الأمير طلال بن محمد قرار عمه بإعفاء الأمير حسن وتعيين الأمير عبد الله بديلا له وليا للعهد. وينتمي الأمير طلال بن محمد إلى جيل الشباب من أمراء الأسرة الهاشمية، وهو لم يكن أبناء عمومة فقط مع الأمير عبد الله، بل جمعتهما علاقة صداقة فضلا عن العمل في الجيش. ويقول الأمير طلال إن عبد الله شخص منفتح وقوي وواثق وشجاع، وبالتالي يعتبر الخيار الأنسب لحكم الأردن.


وفي تقدير الأمير طلال أيضا يعتبر الأمير عبد الله خيارا أفضل للحكم مقارنة بعمه الأمير حسن، ويرى كذلك أن الأسرة الهاشمية لن تكون موحدة إذا حكم الأمير حسن بن طلال وان مسلكه سيؤدي إلى عزل بقية الأسرة ويفقدهم العرش.


وسط تلك الدراما الأسرية تدهورت صحة العاهل الأردني الراحل. فقد ظل يخضع بصورة يومية لعمليات نقل دم وبلازما، إلا ان وضعه الصحي لم يتحسن. وقرر أطباؤه إجراء فحوصات جديدة، غير أن نتائجها أشارت إلى عودة السرطان مجددا، وباتت هناك ثلاثة خيارات، اما بقاء الملك في راحة كاملة في عمان أو إجراء جلسة علاج كيماوي أخرى في الأردن أو العودة إلى مايو كلينيك وإجراء عملية أخرى لزراعة النخاع العظمي، وكان ذلك هو الخيار الأكثر خطورة، لكنه كان الفرصة الوحيدة لمحاولة القضاء على أعراض السرطان. لم يتردد الملك كثيرا وطلب العودة إلى «مايو كلينيك» مجددا.


طلب الملك حسين في 25 يناير 1999 فترة 72 ساعة لإنهاء بعض القضايا المهمة، لكنه ابلغ بواسطة العقيد حسين المجالي بأنهم سيغادرون إلى مايو كلينيك بعد ظهر اليوم التالي، وبالتالي لم يكن أمام الملك حسين سوى بقية ذلك اليوم لإنهاء ما كان بصدده. كانت لدى الملك حسين حتى ذلك الوقت المسودة الأصلية لخطاب الشكر إلى شقيقه الأمير حسن، لكنه صرف النظر عنه واستقر رأيه على كتابة خطاب من 14 صفحة، وكان ذلك الخطاب بمثابة آخر وصية وبيان له.


في «مايو كلينيك» خضع العاهل الأردني الراحل لجلسة أخرى من العلاج الكيماوي، وأجريت له عملية نقل نخاع عظمي مرة أخرى وبقي في قسم العناية المركزة حيث تحسنت حالته الصحية قليلا ثم نقل إلى غرفته السابقة.


إلا ان صحته بدأت تتدهور تدريجيا وبدت معركته مع السرطان خاسرة، واتخذت الملكة نور قرارا بالعودة إلى الأردن. رافق الملك حسين في الرحلة الأخيرة إلى الأردن الملكة نور وفريق طبي مزود بكل الأجهزة والأدوية التي من المحتمل ان يحتاجها خلال الرحلة. ونقل عقب وصوله إلى عمان إلى مركز الملك حسين الطبي، حيث تجمع آلاف الأردنيين خارجه، وداخل المستشفى تجمعت أسرة الملك للوداع الأخير.


توفي الملك حسين يوم الأحد 7 فبراير (شباط) 1999 وهو في السادسة والستين من العمر. وكانت إلى جانبه في لحظة الوفاة الملكة نور وهي ممسكة بيده وحولها أولادها وبناتها وأقرباء آخرون.


التفتت الملكة نور إلى الأمير عبد الله وعانقته وقالت: «الملك مات... عاش الملك».


وكانت أول خطوة اتخذها عبد الله عندما أصبح ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية أن اصدر مرسوما ملكيا يقضي بتعيين الأمير حمزة بن الحسين وليا للعهد مع إنفاذ ما جاء في المرسوم فورا.