داء الديموقراطية

ما من أحد اقترب من عمل البلديات وطالب بإلغاء الانتخابات فيها، إلا وجوبه بأقسى أنواع الرفض واتهم، بعد التهم الشخصية، بحب الدكتاتورية وعدم القدرة على ممارسة الديموقراطية والابتعاد عن رغبة الشعوب بالحرية والتمتع بحق إدارة شؤونهم بعيدا عن التحكم السلطوي للإدارة المركزية. مع أن كثيرا من دوائرنا الخدمية تدار بواسطة مدراء معينين ومن السهل الوصول إلى أعلى مسؤول فيها لطلب خدمة ما، بل وحتى الوصول إلى وزير ذلك المسؤول والشكوى لديه إن قصر في تقديم الخدمة المطلوبه أو حابى مواطنا على حساب آخر أو منطقة على حساب أخرى.
إن ما جرى ويجري في بلدياتنا، بدءا من انتخاب غير ذوي الكفاءات وتقلدهم رئاسة أو عضوية المجالس البلدية، ليعيثوا في الأرض خرابا بتجاوز الأنظمة والقوانين بدون علم ودراية ووقوع ذوي الكفاءة منهم تحت ضغوط الناخبين ليقضوا النصف الأول من عمر المجلس في تسديد حسابات مؤازريهم والنصف الآخر في البحث عن مؤازرين جدد يرشونهم بالخدمات الزائدة لمناطقهم وشوارعهم بالفتح والتعبيد وحتى في جمع النفايات من أمام منازلهم، ناهيك عن الاسترضاء بتعيين ما هب ودب من كوادر إضافية لا عمل لها سوى قبض الراتب في نهاية الشهر وتحميل البلدية مزيدا من الأعباء والديون. وانتهاء باكتشاف الحكومة المتأخر، عادة، بأن أداء مجلس إحدى البلديات لم يكن موفقا مما يستدعي حل ذلك المجلس وتعيين لجنة بدلا منه ليزداد الطين بلة، بضياع الدربين بقسمة جهد رئيس اللجنة بين وظيفته الأصلية وبين رئاسة لجنة البلدية، والضرر الأكيد لا يقع إلا على رأس المواطن الغلبان الذي يضطر لقضاء وقته بين البلدية وبين دائرة رئيس اللجنة بحثا عنه، ويصاب بخيبات الأمل المتكررة كلما جهد في اللحاق بسيارة رئيس البلدية ليفاجأ بأن ركابها هم حرم الرئيس وأبناؤه وأن عطوفته قد غادر بسيارة دائرته الأصلية حيث طلبه الوزير. ولا يختلف الحال بين الرئيس وبين الأعضاء فهم أيضا وفي غالب الأحيان مدراء دوائر حكومية في نفس المنطقة ولديهم في دوائرهم ما يكفي من الأشغال والمهام، وأتتهم فرصة إضافية لترك مكاتبهم وتعطيل معاملات المراجعين بحجة اجتماع المجلس البلدي والمجلس التنفيذي ومراجعة الوزارة، وما إلى ذلك من حجج سئمها المراجع حتى وإن صدق سكرتير المدير. أما الحجج الدائمة وذات الضرر الأكبر لأعضاء اللجنة ورئيسها في عدم الضبط والربط لإدارات البلدية وموظفيها والتراخي في تطبيق القوانين على المواطنين، فهي عدم رغبتهم في استعداء أحد كونهم مؤقتين !!
لم يعد حال السوء والتردي الذي وصلته بلدياتنا خافيا على أحد، فالخدمات الأساسية معطلة والإعتداءات على الشوارع عامة وواضحة وجعل البلدية دائرة مثل الصحة والأشغال ليس كفراً.