ذاهبون إلى المجهول

كل ما يجري يسير باتجاه "إلى الخلف در". ليس عندنا فقط، بل في مصر وسورية وتونس وليبيا...، لكن واهم من يظن أن الربيع العربي قد طوى أوراقه، حتى لو زادت حرارة الصيف أكثر من المعتاد، فالتغيير قادم لا محالة.
العبقري الذي اتخذ قرار رفع سعر البنزين العادي، لا يزال مصرا حتى يوم أمس أن هذا القرار لا يمس الطبقات الدنيا والفقيرة.
والعباقرة الآخرون الذين يطبخون مشروع قانون الانتخاب، يعملون على دفن ما تيسر من الإصلاحات التي تحققت، ويمنحون الحياة من جديد لقانون الصوت الواحد.
لا ندري هل صحيح أن الحكومة والمجلس يعملان لصالح المواطنين ويخافون على مصالحهم؟!.
مجلس النواب فتح قانون الضمان الاجتماعي، الذي يضم أكثر من 130 مادة، أقر منه 4 مواد هي فقط التعريفات، وبعد ذلك جمده لصالح البدء اليوم بمشروع قانون الانتخاب.
وقانون الانتخاب، صحيح أنه لا يمكن التوصل إلى صيغة ترضي كافة الأطراف، لكن من الممكن إيجاد صيغة تلقى قبولا شعبيا بالحد الأدنى، وهي على كل حال موجودة، وأخرجتها لجنة الحوار الوطني، وضمنها رأس الدولة.
أما أن نقع بين صيغة مشروع عون الخصاونة الذي قدمه إلى مجلس النواب، وهو في حقيقة نفسه غير مقتنع بإجراء الانتخابات هذا العام، وبين مشروع الطراونة ولوبيات نيابية صاغته على ستة لقاءات عشاء، وأحيت فيه الصوت الواحد، فإننا نعمل مثل "حراثة الجمال".
القانون الآن في عهدة نواب لا يلتفتون إلى قواعدهم، ويسير العمل به في ثلاثة سيناريوهات محتملة:
الأول، أن يتم تمرير ما قررته اللجنة القانونية على حين غرة، وهو في حقيقته مشروع الصوت الواحد، والمساحة الأخرى المعطاة للقوى السياسية والاجتماعية والتغيير في بلادنا لا تتعدى 17 نائبا، أي ما نسبته 12 % من عدد أعضاء المجلس، وهذا السيناريو مدعوم ليس من أوساط النواب، بل من الأطراف المقررة في المعادلة الأردنية، وهي التي فرضت الصيغة النهائية، بعد أن أوهمت نوابا يناورون في ساحتها، بأن الأرقام غير ذلك.
والثاني، ما يتحرك به نواب غير راضين عن الصوت الواحد، وحرمهم من بعض قواعدهم العشائرية، يطرحون نظام الصوتين أو الثلاثة، صوت للدائرة وصوت للمحافظة وصوت للوطن، وهم في حقيقة الأمر يعملون على إحياء قانون عام 1989، وقد يتفقون مع الحركة الإسلامية في ذلك.
الثالث، ما تطرحه القوى الوطنية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والقوى الشعبية، 50% للدوائر بعدد أصوات مساو لعدد مقاعد الدائرة و50% للقائمة الوطنية النسبية، وهي نسب قابلة للتفاوض، لكنها تؤسس لمرحلة متقدمة في الحياة البرلمانية.
أراهن من الآن، أن السيناريو الأول هو صاحب الحظوة في النجاح، إذا لم تتصاعد أوجه الرفض الشعبي له.
كل هذا في السياسي، أما في الوجداني وعلى أرض الواقع، فهناك قلق شديد في نفوس الأردنيين، وخوف من الأيام المقبلة، ومن يدقق في شعارات الحراك الشعبي، والغضب المخزون في الصدور، ويتابع التعليقات على المواقع الإلكترونية وصحافة التواصل الاجتماعي، ويقرأ ما تنشره مراكز الدراسات الغربية، يعرف أن صيف الأردن لاهب، وأننا فعلا ذاهبون إلى المجهول، لا سمح الله.
أعترف أكثر، أنني لأول مرة أشعر بالقلق وعدم الطمأنينة، وازداد قلقي عندما علمت أن السفارة الروسية في عمان وضعت على لوحتها الداخلية خطة إخلاء الرعايا الروس في الأردن.