إسرائيل وتهديم منازل الفلسطينيين: المعنى العميق
هدم منازل الفلسطينيين هو أحد أسوأ العقوبات الجماعية التي تنتهجها الدولة الصهيونية في فلسطين التاريخية، تحت ذرائع كثيرة تغلب عليها الحجج الأمنية الواهية. وقد انتهجت الدولة الصهيونية عقب احتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة في 1967 سياسة هدم المنازل الفلسطينية في القدس وتهجير الفلسطينيين من أماكن سكناهم حيث كانت أولى هجماتها الشرسة بعد 1967 في حي المغاربة حين قامت بهدم (115) منزلا فلسطينيا لبناء حي استعماري/ «استيطاني» يهودي في المنطقة.
وفي التقرير العلمي المهم والموثق الذي أصدرته دائرة المفاوضات بمنظمة التحرير الفلسطينية مؤخرا، تم رصد السياسات الاسرائيلية الأحادية في القدس الشرقية المحتلة والدعم المطلوب لمواجهة سياسة التهجير للإنسان والمؤسسات من «زهرة المدائن». فقد سجل التقرير «هدم قوات الاحتلال لقرابة (3300) من منازل المواطنين المقدسيين منذ احتلال 1967، من بينها عديد المواقع التاريخية والدينية، كحي باب المغاربة التاريخي في القدس القديمة، وتدمير (499) منزلا لمقدسيين خلال السنوات الست الماضية، وهو ما يشكل 15% من إجمالي المنازل التي هدمت منذ 1967».
هدم المنازل يأتي في طليعة السياسات التي تستهدف الوجود الفلسطيني في «زهرة المدائن»، ضمن عمل صهيوني متواصل لإنهاء الوجود الفلسطيني مقابل زيادة عدد المستعمرين/ «المستوطنين» وفقا للقاعدة الصهيونية «الذهبية» (أرض أكثر.. وسكان أقل)!!! فقد دأبت سلطات الإحتلال، منذ اليوم الأول لاحتلالها للقدس، على ممارسة وتطبيق سياسات التهجير للمواطنين في المدينة، بوسائل وطرق متعددة. وتقرير الامم المتحدة، الذي شمل القدس والضفة الغربية، أشار إلى أن «عمليات الهدم خلال 2011 زادت بنسبة تقدر بأكثر من 80% عن 2010، وأن 90% من الهدم يقع في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية (ج)». وتؤكد إحصائية لمعهد الابحاث التطبيقية – القدس (أريج) أن إسرائيل «قامت بهدم ما يزيد عن 650 منزل فلسطيني في الفترة الواقعة ما بين الاعوام 2000 و2009، فيما أخطرت بلدية الاحتلال في الفترة نفسها ما يزيد عن 4300 منزل فلسطيني في مدينة القدس, معظمها بذريعة البناء غير المرخص». ويضيف المعهد: «باختصار, فان السياسات الاسرائيلية العنصرية فيما يتعلق بالمسكن في القدس أسفرت عن بناء أكثر من 88% من المساكن للمستوطنين الاسرائيليين في المدينة و12% فقط للفلسطينيين منذ العام 1967».
من هنا، تأخذ عمليات هدم المنازل في القدس بعدا خطيرا في سياق عملية التطهير العرقي والترحيل القسري، بحيث انتقلت من عمليات الهدم الفردية للمنازل والبيوت لما يسمى بالبناء غير المرخص إلى عملية هدم وطرد وترحيل أحياء بكاملها، بدأت في (سلوان( باعتبارها، بحسب مزاعم يهودية تلمودية بالية هي (مدينة داود) حيث سلمت إخطارات وأوامر هدم لتسعين منزل مقدسي في حي البستان يقطنها أكثر من 1500 فلسطيني، وأوامر مماثله لخمسة وخمسين عائلة فلسطينية من حي رأس خميس في شعفاط لهدم منازلها، ومن ثم اتجهت بالأوامر نفسها صوب أحياء الشيخ جراح وبيت حنينا والطور والمكبر وبيت صفافا والعيسوية وأم طوبا وصورباهر. وفي هذا السياق، أمر المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية (يهودا فينشتاين) بتشكيل فريق خاص يدرس سياسة تنفيذ اوامر هدم المنازل الفلسطينية في القدس تمهيداً لتنفيذها فوراً، مؤكداً «رصد موازنة قدرها 5 مليون دولار لهذا الغرض اواخر العام 2011 من قبل الحكومة لتعجيل أوامر الهدم في القدس الشرقية»، تلاها قرار بلدة الاحتلال في القدس تشكيل فريق إسرائيلي مدعوم بقوة عسكرية لهدم مئات المنازل الفلسطينية في القدس المحتلة (التي تدعي إسرائيل بناءها دون ترخيص من الاحتلال) بما في ذلك المنازل التي كانت قائمة قبل احتلال 1967 او قبل قيام الدولة الصهيونية عام 1948.
ما يجرى في «زهرة المدائن» يختصر حقيقة الصراع الفلسطيني الصهيوني. فالاحتلال الإسرائيلي قائم على مزاعم توراتية بأحقية «الشعب اليهودي» في كامل أرض فلسطين، التي يسكنها «أغيار» ينبغي التخلص منهم بكل الطرق لتكون فلسطين التاريخية أرضا خالصة لليهود. فهل ترانا نحتاج إلى أدلة جديدة على حقيقة الصهيونية؟ ثم – في ضوء (أو ظلام) ذلك ماذا نحن فاعلون؟