التقارير الامنية المفبركة ودورها في خديعة النظام والملك .. علي السنيد

اخبار البلد : كتب - علي السنيد- عشية التحضيرات التي ولجها الملك الراحل الحسين بن طلال لدخول مرحلة ما سمي بالسلام المعلن مع " اسرائيل" يقول الدكتور عبداللطيف عربيات الزعيم الاخواني الشهير، والذي شغل رئيس مجلس النواب الاردني لثلاث دورات متواصلة ان الملك الحسين طلبه على هامش لقاء عام ضم عددا من الشخصيات السياسية في محاولة منه للحصول على حالة اجماع وطني كتوطئة وتمهيد لهذه المرحلة، وسـأله عن رأيه في الموضوع يقول اجبته "اود ان اقول لك شيئا يا سيدي افعل ما تريد ولكني انبهك ان اليهود لن يعطوك شيئا، وهم الذين قال الله عنهم في كتابه العزيز " لا يعطون الناس نقيرا"، والى ذلك يقول اخذ الملك بذراعي وابتعدنا قليلا عن الحضور ثم خاطبني عن ورود تقارير امنية مؤكدة تفيد بان جماعة الاخوان المسلمين في صدد اشعال البلد في الجمعة القادمة اعتراضا على نية الدخول في المعاهدة، مما يستدعي اتخاذ اجراءات امنية معينة، يقول فأجبته "انني في الموقع الذي تعلمه من الجماعة الا ان قرارا لم يتخذ بهذا الصدد، ولا علم لي به، وارجو ان تسمحوا لي ان اراجع مكتب الجماعة لاطلع اكثر" ، ويضيف انه راجع اخوانه ولم يحصل على ما يفيد بوجود اي تحرك لترصده التقارير الامنية الهامة التي قدمت للملك، والتي اطلعه انها قدمت له على وجه السرعة مكتوبة بخط يد مدير المخابرات بنفسه انذاك، ويشير عربيات الى ان اتصالا اجراه مع رئيس الديوان الملكي يخبر الملك فيه بعدم وجود اية تحضيرات تتخذها الجماعة، وفعلا مرت الجمعة ولم يحدث شيء، ويواصل الدكتور عبداللطيف عربيات قائلا "وعندما سافر الملك الحسين خرجت بحكم البروتوكول وبصفتي الوظيفية الى المطار لاكون في وداعه مع رجال الدولة، وبعد ان صعد سلم الطائرة اوقفت مدير المخابرات وكان حينها الفريق مصطفى القيسي وقلت له " حرام عليكم يا اخي لقد كدت تتسبب بفتنة بالبلد بتقاريرك العاجلة".



وينهي هذا المقطع العجيب من العلاقة مع السلطة بالايضاح ان القصة في نهاية المطاف ظهرت بكونها لا تعدو ان الاجهزة الامنية رصدت مهاتفة بين احد الشيوخ في اربد وزميل له في منطقة اخرى يخبره فيها بضرورة الخروج للشارع ضد النية المبيتة للدخول في المعاهدة في تلك الجمعة.

وهذا المشهد كان يعكس في الصميم النفسية الامنية انذاك المتحكمة والى سنوات قليلة مضت حيث يصار الى المبالغة والتهويل في التقاريرالامنية، وتضخيم حجم المعارضة وتحويلها الى خصم شرس، ليبرز الامني دوره في خدمة النظام، والحرص على بقاءه، والذي لولاه لزال النظام.

الا ان الجهاز الامني الذي كان يجاهد كي يقنع النظام انه عينه التي يبصر بها ، وسمعه الذي يسمع به في الحياة السياسية، ويعمل على ضبط ورصد الواقع الشعبي، والاعلامي ويضعه ضمن حدود المرغوب فيه امنيا، كان في طور تحوله الى وسيلة في الصراع السياسي الداخلي بين مؤسسات الدولة مما ادى الى هشاشة النظام الذي عانى في السنوات الاخيرة من عدم القدرة على اداء معزوفة سياسية بايقاع واحد ، حيث دب الصراع في داخله، وتحولت اجنحة الحكم الى جهات متصارعة، وغذت الصراع في الشارع بعد انتقال اطرافه خارج مؤسسة الحكم، وكان الشكل الابرز على خروج الدور الامني لمدراء الجهاز الى الغايات والمنافع الخاصة والشخصية مما انعكس سلبا على ادائها العام في المشهد السياسي ما اشيع عن خلفيات الصراع الشخصي بين رئيس الديوان الملكي الاسبق الدكتور باسم عوض الله، ومدير المخابرات العامة الاسبق اللواء محمد الذهبي، حيث كان مدير المخابرات يشعل الساحة السياسية في حرب مدادها الاقلام والاشاعات التي استمرت الى سنوات، وما تزال اثارها ماثلة الى اليوم وذلك على خلفية شخصية بحتة ولا علاقة لها بالصالح العام.



ومرت مرحلة انزياح الدور الامني الى المصالح والغايات الشخصية التي تسير الجهاز الامني في ثناياها ، وكانت مقدمة لاضعاف دور الجهاز، وهي التي اسفرت عن توجيه التهمة لاكثر من مدير مخابرات بالفساد المالي، هذا فضلا عن عدة شبهات تطال اخرين لم يتم ملاحقتهم خوفا على سمعة الجهازالمتآكلة.

وفي هذه المرحلة يبرز دور جديد للجهاز الامني يترافق مع صيغة الربيع العربي مفاده تقليل نسبة المخاطر، واعطاء صورة مريحة للنظام عن مجريات الوضع الداخلي الذي يقف عند حدود الانفجار، والهاوية، وذلك للتهرب من مسؤوليات هذه المرحلة حيث دب الرعب بالقيادات الامنية التي ارتأت ان تقف على مسافة واحدة بين النظام والشعب تخوفا من تغييرات شاملة قد تضعها في عين العاصفة، وتحمل المسؤولية مما حدا بها الى طلب السلامة من خلال تهوين خطورة الحالة الداخلية، وهو ما وضع الارضية لاتخاذ قرارات غير شعبية في مرحلة لا تحتمل زيادة اعباء الحالة الشعبية المتفاقمة، وعلى رأسها رفع الاسعار، وذلك ما يعطي الانطباع بعدم اضطلاع المؤسسة الامنية بدورها في النقل السليم لحقيقة الاوضاع في الشارع، وربما ان المسؤول الامني- الذي يعتقد ان اوراق النظام باتت محروقة- لا يريد ان يزيد من الاعباء الامنية المترتبة عليه في هذه المرحلة ، وتضعه في مواجهة شعبية فيما لو ادرك النظام ذلك، فيعمل على نقل صورة مغايرة بتقاريره مخافة ان يطالب بمزيد من العمل الامني الاكثر وعيا، وهو ما تحاول المؤسسة الامنية التفلت منه.



على النظام الاردني الذي اصبح في عزلة شبهة كاملة عن الشارع بسبب الرؤية الامنية الراهنة والتي مكنت الحكومة من الاقدام على خطوة تقاس بخطورة رفع الاسعار في عز الربيع العربي حيث تحجب عنه الصورة الحقيقية للاوضاع، وتداعيات الحالة الشعبية التي تنذر بالانفجار، عليه ان يتحرر من الصورة الامنية الخادعة التي املتها الاحتياجات النفسية للقيادات ، وان يطل على الشارع بنفسه، ولعل ذلك ما قد يجنبه اعادة ترديد العبارة الاشهر في الربيع العربي " الان فهمكتكم... الان فهمتكم ".