القومية العربية والإسلام

اخبار البلد
التشكيك في الموقف من الإسلام والدين عموماً هو أسهل طريقة لمحاربة التيارات القومية واليسارية على وجه الخصوص.
فمن السهل الإيحاء بعداء هذه التيارات للإسلام لمحاولة شطبها من ذهن المواطن العربي- بغض النظر عن برامج هذه التيارات ومدى التصاقها ، أو عدمه، بمشاكل الناس وأوجاعهم وطموحاتهم.
إثارة مثل هذا الجدل، يهدف إلى التعتيم على مواقف مثل هذه التيارات خاصة مع عودتها الواضحة إلى الساحة المصرية، وبالتالي قطع الطريق على نقاش جدّي ومقارن بينها وبين تيارات الإسلام السياسي.
أما أن يصبح الجدل بناء على اتهام التيارات القومية بمعاداة الإسلام، ففي هذا نسف لأي حوار أو مناظرة سياسية حول الرؤى للتيارات المتصارعة ، عدا أن هناك تلميحا، قد يكون مقصودا أو غير مقصود، لكن نتيجته واضحة ، ألا وهو ربط حقيقة أن بعض أهم مؤسسي الأحزاب القومية العربية هم من العرب المسيحيين، وربط ذلك بذهن المتلقي بموقف هذا التيارات من الإسلام، بما يخلق عداء ضد المفكرين المسيحيين ودور المسيحيين العرب عموماً.
يجب هنا التذكير أن جميع المفكرين العرب القوميين المسيحيين عبروا عن احترام للدين الإسلام، وأن المفكر العربي المسيحي ميشيل عفلق، أبرز مؤسسي حزب البعث، اعتبر الإسلام روح العروبة والضمانة التي تمنع " أن يشتط العرب في قوميتهم".
هنا يجب أن نعترف أن تغييب الحريات السياسية والديمقراطية، في البلاد التي حكمتها الأنظمة القومية، أباحت الاستبداد وقمع التيارات السياسية الأخرى حتى داخل الأحزاب القومية الحاكمة نفسها، لكن لم يكن لتلك السياسات أي علاقة بالموقف من الإسلام نفسه، لكنه كان دليل نقص وفشل فكري وسياسي لا بد من تشريحه بالتحليل النقدي و الموضوعي.
فالعداء للاستعمار، وسياساته، لم يعد وحده كافيا لأي نظام عربي لتثبيت شرعيته،إذ لم يكن هناك احترام وصيانة لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحريات والتعددية السياسية وإحقاق العدالة الاجتماعية، فالعداء للامبريالية لا يبرر خنق الحريات ولا التعذيب ولا إقصاء التيارات السياسية الأخرى.
التيارات القومية الجديدة، وفقا لبرامجها وعلى وجه الخصوص تيار مرشح الرئاسة المصري الناصري حمدين صباحي،تربط السياسات التحررية بمفاهيم المواطنة والتعددية والعدالة الاجتماعية.
برنامج حمدين صباحي يدل أن الأجيال الجديدة قد تعلمت نظرياً وفكرياً على الأقل من أخطاء وتجارب الأنظمة القومية بما في ذلك من التجربة الناصرية نفسها.
بالطبع هذه أفكار وبرامج على ورق، ولا تعدو أكثر من خطابات سياسية، لم تٌمتَحَنّ عملياً، ومن حق أي كاتب أو ناشط، ومن حق الإسلاميين، النظر إليها بعين الشك ، لأن الأنظمة العلمانية القومية لم تنجح في اختبار الحريات، ويجب أن تكون هناك مراجعة نقدية لبرامجها الاقتصادية، وإن كانت قد حققت في فترات معينة حداً من العدالة الاجتماعية خاصة في مجالات الصحة والتعليم.
غياب الحريات ، ونظام مساءلة حقيقي، لا يسمح بسيادة الاستبداد فقط، بل يضعف أي نظام أمام الضغوط الخارجية لقبول تغيير في سياساته الاقتصادية، كما رأينا في سورية من المباشرة في تطبيق لبرلة الاقتصاد- ولعل ذلك من أهم الأسباب التي ساهمت في انطلاق الاحتجاجات السورية الأولى.
لكن وإن كان نقد رموز تيار الإسلام السياسي للتيارات القومية حقاً مشروعاً، فاستعمال تهمة العداء للإسلام في معركة الصراع على قلوب وعقول الناس غير مقبول ، بل يذكرنا بأساليب الحرب الباردة التي تتجاهل جوهر الأفكار والسياسات من خلال شيطنة الآخر.
سياسية الشيطنة غير مقبولة من أي طرف علماني قومي أو إسلامي أو أي كان، لأنها تعيق نقاش المفاهيم الأساسية ورؤى التغيير.
المفروض التركيز على أهداف التغيير في عالمنا، هل نحن نطمح إلى بناء نظم حكومات مدنية، تحافظ على حقوق الإنسان والتعددية السياسية، وتحاول القضاء على الغبن الاجتماعي، أم إلى ترسيخ حكم الحزب الواحد وطغيانه؟
إذ من السهل توزيع الاتهامات خاصة فيما يتعلق بالعقيدة الدينية، وبالتالي حرف الأنظار عن المشاكل والفروق الحقيقية بين الأحزاب والرؤى- فإن كانت التهمة الجاهزة هي العداء للإسلام فلن يبقى أي حديث في الفكر والسياسة؛ إلا إذا كان الهدف منع أي نقد لتيارات الإسلام السياسي، لأن هناك فرقا بين الدين نفسه وبين سياسات دنيونية ليس له علاقة بجوهر الدين بل بمصالح سياسية- قد تخطئ أو تصيب، وليس للدين علاقة بها من قريب أو