اخبار البلد
الارتماء في حضن السفارات والدول الغربية لم تعد هواية يمارسها البعض، بل يبدو أنه فعل مقصود ويؤدى بصورة محترفة من قبل البعض الذين لا يضيعون أية فرصة لقاء مع مسؤول غربي دون الإشارة إلى عدم كفاءة الدولة في الوقت الذي يظهرون فيه مدى أهمية ومقدار إنجازات مؤسسات المجتمع المدني، ويصل بهم الأمر للمطالبة بالتوقف عن تقديم المنح للدولة وتوجيهها لهذه المؤسسات.
هذا بالضبط هو ما حدث في غداء عمل جمع عضو البرلمان الألماني (وولفغانغ ورنسن) مع أربعة إعلاميين، حيث كان الهدف من هذا اللقاء التغطية الإعلامية لبرنامج جديد يتبناه البرلمان الألماني، وهو برنامج يمتد لمدة شهر يتيح لخمسة عشر شاباً من الوطن العربي للتعرف على التجربة البرلمانية والديموقراطية الألمانية عن قرب عبر ملازمة كل واحد منهم عضواً في البرلمان لمدة أسبوعين متواصلين، وحضور عدد من المحاضرات حول الديمقراطية والنموذج الألماني في الفترة المتبقية.
ولكن أحد الحضور كان جاهزاً للانقضاض على الدولة، فلم تكن مداخلته الرئيسة عن المشروع الألماني أو أسبابه ودوافعه أو توقيته وآليات اختيار المرشحين، بل كانت مطالبة منه بوقف الدعم المقدم وذلك لعدة أسباب أبرزها عدم وجود إصلاح حقيقي في الأردن، بالإضافة إلى وجود خروقات عدة في مجال حقوق الإنسان، وأهم من ذلك كله أن الحكومات لا تقوم بإنجازات ملموسة عبر استخدامها الدعم المقدم لها، وبالتالي فالمال المقدم هو مال دافعي الضرائب الألماني، فعلى البرلمان الألماني التأكد من كيفية صرفه حتى لا يعد هدراً للمال العام الألماني، وفي ذات الوقت أكد الإعلامي أن الأفضل هو توجيه هذا المال نحو مؤسسات المجتمع المدني، لأنها الأقدر على تنفيذ البرامج، وبالتالي لا يجوز حرمانها من هذه المنح والأموال.
ما سمعته يثير الاستغراب، فهل وصلنا إلى هذه الدرجة من الاستجداء، نهاجم الدولة ونشوه صورتها ونلصق فيها ما ليس فيها، وكل ذلك بحثاً عن حفنة دولارات أو يوروات، والسؤال هو ما يقوله القائمون على هذه المؤسسات للغربيين داخل الغرف المغلقة وخلف الجدران السميكة، وهل آن الأوان لإعادة ترتيب المشهد الداخلي واعتبار المال الذي تحصل عليه مؤسسات المجتمع المدني مالاً عاماً يخضع لمراقبة ديوان المحاسبة، لمعرفة أين وكيف يتم صرف المال.
إن غض النظر الذي تمارسه الدولة عن هذا القطاع والإساءات التي يوجهها للدولة في الجلسات مع الجهات المانحة وإعطاء صورة سلبية عن الأردن بشكل دوري ودائم، أمر لم يعد مفهوماً، فلا يجوز لإعلام يتم تمويله خارجياً ويخرق بذلك القوانين الأردنية أن يمارس دور الحارس الوفي للحرية الإعلامية والمهنية الموضوعية، ورغم إدراكي لأهمية مؤسسات المجتمع المدني والدور المهم الذي تلعبه في تطوير وتعزيز الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، إلا أن ذلك لا يمنع من خضوع هذه الجهات للرقابة تحقيقاً لمبدأ المساءلة والحاكمية الرشيدة، والشفافية وحرية الوصول للمعلومة، وهي كلها مفاهيم تطالب بها هذه المؤسسات فلماذا لا تطبقها؟