يصف البعض الإشاعات والمبالغات بأنها كلام جرايد ، ومعناه أن الثقة شبه معدومة بما تنشره الصحف من أخبار ووقائع ، سواء كانت ورقية أو إلكترونية. على العكس من ذلك هناك لدى البعض الآخر ثقة زائدة بالكلمة المطبوعة ، ويعتقد أن ما ينشر في الصحف كلام مدروس ، مستند إلى وثائق ومراجع ، وخضع للتدقيق والمراجعة قبل إجازته للنشر.
في كلا الحالتين المتناقضتين تترتب على الصحافة مسؤولية كبيرة ، أولاً لتغيير قناعة الذين يشككون بما تنشره الجرائد ، وثانياً لإثبات أن الكلمة المطبوعة تستحق الثقة فعلاًُ ، وقد تأكد أكثر من محرر مختص من صدقيتها ، فما هو الحال في الصحافة الأردنية.
يبدو كأن القاعدة المعمول بها أن كل شيء جائز باسم حرية النشر والتعبير ، ومن حق الكاتب أن يشرّق ويغرّب كما يشاء ، بل أن بعض رؤساء التحرير يتباهون بحرصهم على حرية التعبير لدرجة أنهم لا يراجعون ما يكتبه الصحفيون المحترفون ، مع أن التأكد من صحة المعلومة واجب صحفي ومهني أساسي.
ليس هناك ما يمنع صحفي من القول أن ضريبة الدخل على ارباح الشركات في أميركا هي 50% مع أن الصحيح 35% ، وما ُيدفع لا يزيد عن ثلث هذه النسبة بسبب الثغرات القانونية.
كذلك يجوز لرئيس حزب أردني ان يقول أن 10% من الأردنيين يملكون 80% من الثروة والصحيح أقل من نصف هذه النسبة ، وهو لا يعتمد على أية دراسة ، ولا يميز بين الثروة والدخل. وتأتي الصحيفة فتضع القول المثير عنواناً بالخط العريض ، فتضفي عليه ثوباً من الصدقية غير المستحقة.
هذا فيما يتعلق بالمعلومات ، فماذا عن الآراء غير المعقولة. يقول كاتب يومي أن تبرع كبار المسؤولين بنسبة 15% من رواتبهم لمدة ستة أشهر يعني ببساطة أنهم يتقاضون رواتب تفوق حاجاتهم ورفاهيتهم ، ويجب على الحكومة إعادة هيكلة رواتبهم (أي تخفيضها). يعتقد هذا المعلق أن الموظف لا يدخر جزءاً من دخله بحيث يمكن السحب عليه عند الطوارئ ، ولا يستطيع أن يخفض نفقاته ويختصر جانباً منها لتوفير مبلغ التبرع!.
حرية الصحافة والتعبير لا تعني أن يهرف الكتـّاب بما لا يعرفون ، ولا أن يطلقوا الأحكام غير المسنودة ، والتحرير مسؤول عن تدقيق صحة المعلومات من مصادرها ، فالمصداقية هي رأسمال الصحافة.