يا أهلَ الدّيارِ !

يا أهلَ الدّيارِ !
إنّهم يَقْرعونَ طُبولَ الفتنةِ و ( الدّم ) ـارِ .. !
الحمدُ لله الذي جعل - في كلِّ زمانِ فترةٍ من الرسل - بقايا من أهل العلم ، يدعونَ من ضلّ إلى الهُدى ، ويصبرونَ منهم على الأذى ، يُحيون بكتاب الله الموتى ، ويُبصِّرون بنور الله أهل العَمَى ..
أما بعد :
( بدايةً ! ) قالوا لنا : إنها سلميّةٌ .. سلْميّةٌ !
سلّم البعضُ – وقد ظنّ خيراً – بما قالوا .. ؛ ثمّ من بعْدُ صالوا وجالوا .. !!
فباتوا يلوّحون – مرّة بعد مرّة – بالتّصعيد ، و ( رفْع سقف ! ) التهديد .. وشعارات التنديد .. !
حتى : تعنّتوا وتعالوا ..!
وقد قيلَ – من أهل العلم – لهم : تعالوا إلى ( كلمةِ علْمٍ ) تحفظُ أماننا ؛ وأنتم تروْنَ ما ( يدورُ ) حوْلنا ، ويحْدث أمامنا ..
سَفْك دماء .. جُثثٌ وأشلاء .. تشرّد أطفال ونساء .. بلاءٌ وأيٌّ بلاء ..
فأخذتهم العزّة بـ ( أحزابهم ! ) ، و ( تنظيماتهم ! ) ، وغرّهم في ( حِراكهم ! ) ما رأوْه من ( وصول الجماعة ! ) في بعض ( بلدان الربيع ! )
وكان من ( بعضهم ) ما يَعْجب له – حتى – الطفل الرّضيع .. !!
لن أتحدّث عن ( غضّهم البصرَ ! ) عن محاسن وفضائل الوطن .. ، وتتبّعهم مواطن العورات والنقائص .. ! ؛ حتى بدا الوطن للبعيدين و ( كثيرٍ منّا ! ) كأنّه من شرّ وأقبح الأوطان ! ، أو مقْبرةً ليس يسكنها سوى الأموات ، وكثيرٌ من الغربان !!
هل في ذلك شيءٌ من العدْلِ والإحسانِ .. ؟!

لا واللهِ .. ولا من المروءة ، وحفظ المعروف .. بل هو من الجحود والنكران .. !

لن أتحدّث عن النصوص الشرعيّة التي ( تَحْكُم ) معاملة الرعيّة وليَّ الأمرِ .. عند أيّ حالٍ كان أو صار .. وكيف ( النصيحةُ ) له والإنكار .. بل لو صدرَ منه الزللُ و الخطأ ، أو ظلمَ وجار .. !
من ديننا الأحكامُ .. عليها نسير ولها نختار .. لا من ( دعاة الحماسة السياسيّة ! ) المُعطّلين للآثار .. ولا من ( الفضائيات المذمومة ) بما فيها من تشويهٍ وتشويشٍ ، و تخريفٍ وتحريفٍ ، وزورِ أخبار .. !

ولن أتحدّث عن أولئك ( المُتسمِّرون المُتستّرون ! ) أمام الشاشات المُطلّة على ( المواقع الإلكترونيّة .. ) علّه يجدُ ضالته من خبرٍ – في الحكومات أو البلد ! - قادحٍ ، أو تقريرٍ ( مفصّلٍ ! ) لفسادٍ فادحٍ ، أو أمْرٍ – في النّاس – فاضحٍ ..!
فإنْ وجَدَ ( في نفْسه ) شيئاً من ذلك انبرى لهُ ، وبرى قلَمَهُ .. ! فراح يُخْرجُ ما ملأَ به صدْرَهُ ، وأفرغَ صبْرَهُ .. بمقالٍ يُحلّل به الأخبار المُهمّة ، ويفسّر أسبابَ ( تقهقر الأمّة ) !
أو تراه ينتقد - بكلمات غاضبة ثوريّة - الفاسدينَ الأشرارَ من ( المسئولين ) !
ولا يهم بعد ذلك فسادُ كثير من المُسلمين .. !
( قدْ ) لا يكون في هذا شيءٌ محذور ، ولا أمرٌ محظور ..
ولكن .. ألا ترى – أخي - ما يقع فيه كثيرٌ من ( الكُتّاب والمُحلّلون ) اليوم ، وما يوقعونه بين الناس ؟
أقول – بلا ترددٍ ولا تلكؤٍ ولا لجلجة ٍ - : إنّ الكلامَ في ( أمْرِ العامّة ) من اختصاص أهل العلم العارفين بالكتاب والسّنة ؛ فإنّه لا ينصحُكَ و يدلك على الخَير ، ولا يفتيك - بالحقِّ - إلا ورَثةُ الأنبياء ؛ إنهم العلماء الموقِّعون عن ربّ العالمين ، قال الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى - : " .. ولا يشاوِرُ إذا نزلَ المشكل ُ إلا أميناً عالماً بالكتاب والسّنة ، والآثارِ وأقاويلِ الناس ، والقياسِ ولسانِ العرب " .
وقال ابنُ القيم - رحمه الله تعالى - كما في " إعلام الموقعين " : العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في النوازل ، فهذا النوع الذي يسوغ لهم الإفتاء ويسوغ استفتاؤهم .. " .
غير أنه " لا يأتي عليكم يوم ٌ إلا وهو شرٌّ ٌ من اليوم الذي قبله حتى تقوم الساعة ، لست أعني رخاءً من العيش يصيبه ولا مالاً يفيده ؛ ولكن لا يأتي عليكم يوم ٌ إلا وهو أقل علماً من اليوم الذي مضى قبله ، فإذا ذهب العلماء استوى الناس قلا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فعند ذلك يهلكون " كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وذكر الأثر الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " .
قلت : والأمرُّ من موت العلماء أن يكونوا أحياءً بيننا ، وأن يكون - بعْضُنا!– أمواتاً بينهم ؛ لا يعرفُون لهم قدْراً ، ولا يحفظُون عليهم سِترًا ، ولا يلتمسُون لهم عذرًا ..
والأمرُّ من الأمرّ أن يُستفتى أو يفتي من ليس بعالم ؛ بكى أحد السلف الصالح يوماً ، فقيل له : أمصيبةٌ نزلتْ بك ؟ فقال : " لا ؛ ولكن أُستفتيَ من لا علمَ عِنده وظهرَ في الإسلام أمرٌ عظيم "
ظهرَ – اليوم – منه أمرٌ مُنْكرٌ !
أقلامٌ - من عملِ الشيطان !- برأسيْن أو أكثر ..
فـ ( رأسٌ ! ) مُعلّمٌ على القدح في أهل العلم الذين يُنكرون المظاهرات ، والإضرابات ، والتحزّب ؛ ويَروْن أنها تُفضي إلى مفاسد عظيمة – على ديار الإسلام - تفوقُ ما ( يُحْتملُ ) من المصالح ..
هذا الإنكارُ مبْنيٌّ – في أصله – على نصوصٍ شرعيّة ، وقواعد فقهيّة ؛ لا مجرّد قولٍ بالرأي ، ولا أحكام ناجمة عن ( انفعالات حماسيّة ! ) ، أو ( توجّهات وضغوطات سياسيّة ! ) ؛ ومَن ( ردّ ! ) على أولئك العلماء تكلّم – للأسف - تحت تأثير تلكم الانفعالات ، و ( الضغوطات ! ) – خاصّة الحزبيّة منها ! – فلم يُتقن إلا لغة الذّم ، والشتم ، و التهويش وكيل التهم ..
وهذا الصّنف لا تملك معه – في الغالب - إلا التجاهلَ ؛ وإنْ اضطرك أحدُهم لـ ( نصيحته وتفهيمه ! ) فباللينِ والرفق ؛ فإذا رآه ضعفاً ونوعاً من التساهل يدْفعه للتمادي فخيرٌ لك العودة للتجاهل .. ! ؛ وهذا لا يمنع من كشف حال ( البعض ! ) منهم – لا سيّما أصحاب الشبهات ! – ولو بالشدّة والخشونة – أحياناً - .

و ( رأسٌ ! ) مُنظّمٌ في خندقِ تأجيج ( المُسلمين ) ، ودعوتهم للانضمام إلى ( الحِراك ! ) بشتى الوسائل .. أجَلْ ! بشتى الوسائل .. !
كان الأخيرُ منها – ولا أظنّه الآخِرَ - هو زرعُ الفتنة بين ( الإخوان في الدّين والنّسب ) وذلك من خلال إقامة المظاهرات في المخيّمات !!
قال أحدُ ( الكُتّاب ! ) الحزبيين في ( مقالة ! ) له في ( صحيفة السبيل ) بعد مظاهرة في أحد المخيّمات : ( دعونا نعترف أن سكان المخيمات، أو قل الكتلة ذات الأصول الفلسطينية، رضيت وعلى مر وجودها في الأردن بحد أدنى من المواطنة السياسية - نصف مواطنة أو ربع - !! )
وأقول : لن أعلّق – حاكماً – بـ ( صحّة! ) ما خرج من رأسه أو البُطلان .. !!
لكنّي أتساءل : لماذا مثل هذا الكلام ( الآن ! ) ؟!
أين كان خوفه على ( المواطنة السياسيّة ! ) ( من زمان ! ) ؟!
و ( المواطنة السياسيّة ! ) التي أحدَثها من أجل الفتنة .. أهي أهمُّ ( عنده ! ) من ( الأخوة في الله ) فيتكلّم فيها و ( لها ! ) و ( بها ) ؟ !
لكن بعد قليل جاء في ( مقاله ! ) ما به تبدد ( خوفه وغيرته!) على ( المواطنة السياسيّة ! ) فقال : (من حقّ الحركة الإسلامية سياسياً توظيف كلّ المعطيات التي تملكها من أجل تحقيق الهدف الإصلاحي الأكبر !! )
ما هو الهدف الإصلاحي ( الأكبر ! ) ؟ ! ليته بيّن لنا وابتعد عن ( الهمهمة ! ) ..؟
أهو تعليم الناس ( أصول التوحيد ) وما يناقضه من البدع والخرافات والشركيّات ؟!
أم تفقيههم في العبادات والمعاملات .. ؟
أم حثّهم على ترك المعاصي والذنوب التي تفتك بالأمّة ؟
أم إحياء منهج السّلف الصالح ؟!!
من ناحية أخرى .. كان منهم من ( سخّرَ ) قلمه لتأنيب من لم ( يخرج !) مع ( الحراك الشعبي ! ) وهم الغالبيّة العظمى من الناس ؛ فراح البعض يرميهم بأوصاف ذميمة فقالوا عن ( الأغلبية الصامتة ! ) : مُستكينون ، مُتخاذلون ، جُبناء ، عُملاء ، ... !!
ألا { ساءَ ما يَحْكمون } وكفى .. !
أرجو من الله – جلّت قدْرتُه – أن يقف التصعيدُ عند هذا الحدِّ بـ ( التحديد ) ؛ فإننا نسمع – اليوم – من بعضهم ( قرْعاً جديداً ! ) لطبول يُبغضها كلُّ عاقل .. وهو الذي " يرى الفتنة وهي مُقبلة ؛ والجاهل يراها وهي مُدْبرة "
فإن قال قائلٌ : كلامُك فيه ( م ) مبالغة وتهويل .. !!
فأقول : أرجو أن يكون .. وأخشى ألّا يكون .. !
أسأل الله – تعالى – أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يحفظ بلدنا الأردن من كلّ كيد وشرّ وسائر بلاد المسلمين ، وان يوفق ولاة أمورنا لكل خير وصلاح ..

سبحانك ربّنا ربّ العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله ربّ العالمين