د. الناصر: تأخير تنفيذ مشروع جر مياه الديسي إلى عمان رفع كلفته من 650 مليون دولار إلى مليار دولار

اخبار البلد_

اعتبره "آخر ما تبقى للاردنيين من مخزون إستراتيجي لمياه الشرب"

 .

شركات الجنوب الزراعية خالفت عقودها وضيَّعت 467 مليون دينار على البلاد .

قال وزير المياه والري الأسبق الدكتور حازم الناصر إن تأخير تنفيذ مشروع جر مياه الديسي إلى عمان رفع كلفة المشروع من 650 مليون دولار إلى أكثر من مليار دولار بسبب ما سماه "التدخلات غير المؤسسية وغير المسؤولة".

وأضاف أن عدم امتثال شركات الديسي الزراعية لنظام مراقبة المياه الجوفية الصادر في العام 2002 قد كلف الأردن حوالي (660) مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب على مدار العشر سنوات الماضية حيث تقدر كلفة الفرصة لهذه الكميات بحوالي (467) مليون دينار بالإضافة إلى التأثيرات السلبية الكبيرة على نوعية المياه نتيجة للنشاطات الزراعية خاصة في المناطق التي يتكشف بها الحوض الجوفي على السطح.

ولا بد من الإشارة إلى أنه وللمحافظة على استمرارية مشروع جر مياه الديسي إلى عمان لا بد من وقف الضخ من هذه الشركات وبالسرعة الممكنة من خلال تطبيق قرار مجلس الوزراء الصادر في شهر تموز 2011 حتى لا يخسر الأردن الاستثمار المالي الكبير والممول بعائد استثماري عال يدفعه الأردنيون من خلال تعرفة المياه أو الضرائب نتيجة نضوب أو تلوث المياه بسبب هذه المزارع.

جاء ذلك في ورقة قدمها د. الناصر للمؤتمر البيئي الأردني السادس قضايا بيئية ساخنة بعنوان "حوض الديسي ومشروع جر مياه الديسي إلى عمان -

آخر ما تبقى للاردنيين من مخزون إستراتيجي لمياه الشرب".

وسلط د. الناصر الضوء على أهم البؤر البيئية الساخنة المتعلقة بقطاع المياه وهو حوض مياه الديسي وضرورة المحافظة على مياهه من النضوب والتلوث.

وقال ان مساحة حوض الديسي المتكشفة ضمن الحدود الأردنية حوالي 3 آلاف كم² وحوالي 66 ألف كم² داخل الأراضي السعودية ،إلا أن الطبقة المائية تمتد لتصل إلى مناطق البحر الميت وشمال الأردن وتبلغ سماكة الطبقة ما بين تموضعات مكتشفة على السطح، كما هو الحال في منطقة الديسي وبسماكات تصل إلى حوالي 700 إلى 1500 م في وسط وشمال المملكة وتزداد الملوحة قليلاً كلما اتجهنا شمالاً وشرقاً لتصبح في بعض المناطق غير صالحة لأغراض الشرب ودرجة حرارة عالية تصل إلى 80 درجة مئوية كما هو الحال في الآبار العميقة التي حفرتها شركة مناجم الفوسفات حديثاً وبعمق يصل إلى 2000 م.

وأضاف ان الحوض المائي غير متجدد ولا توجد له أية تغذية مباشرة عن طريق الأمطار والسبب يعود إلى قلة الهطول المطري في تلك المنطقة والذي لا يزيد عن 50-100 ملم في العام بالإضافة إلى معدلات تبخر عالية، إلا أن هنالك تغذية جزئية ومحصورة على نطاق ضيق وتعتبر منطقة أم سحم ورأس النقب من أهم هذه المناطق وخاصة عندما تكون السنة المائية غير عادية وفوق المعدل العام بأضعاف وكما هو الحال في السنة المائية 1991/1992حيث ارتفع معدل سطح المياه الجوفية بحدود المتر الواحد. لقد دلت دراسات النظائر المشعة التي أجريت من قبل سلطة المياه / وزارة المياه بأن عمر هذه المياه في المتوسط ما بين (10) آلاف إلى (30) ألف سنة وتجري المياه الجوفية من الجنوب إلى الشمال باتجاه البحر الميت كونه أخفض نقطة تمتد لها طبقات مجموعة رم.

مبررات جر مياه الديسي إلى عمان

في ظل محدودية المياه والزيادة المطردة لعدد السكان والنشاط الاقتصادي والعمراني لم تعد مصادر المياه المتاحة والقريبة من التجمعات السكانية تكفي متطلبات القطاعات المختلفة من شرب وصناعة وزراعة. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار مشاريع تطوير مصادر المياه لأغراض الشرب خلال الفترة السابقة مثل مشروع اللجون والذي نفذ في العام 2002 ومشروع آبار الحلابات والذي نفذ أيضاً في العام 2002 وتوسعة مشروع دير علا-عمان لزيادة طاقة الضخ من قناة الملك عبد الله من 45 إلى 90 م م3 سنوياً والمشروع الكبير لنقل مياه الموجب وينابيع الزارة-ماعين كذلك إلى عمان بطاقة 43 م م3 سنوياً وكذلك مشاريع تنقية مياه الينابيع في وادي السير ورأس العين والسلط وجرش وغيرها، بالإضافة إلى مشاريع تحديث شبكات المياه في عمان والعقبة والسلط وإربد والكرك وجرش وغيرها ، نجد أنه لم يبق من مصادر المياه القابلة للتطوير إلا حوض الديسي . وبالمناسبة يعتبر حوض الديسي آخر المشاريع الكبيرة داخل الحدود القطرية التي من الممكن تطويرها وبعدها يجب التوجه إلى المشاريع الإقليمية أو تحلية مياه البحر وعلى رأس هذه المشاريع المشروع البيئي الكبير لنقل مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت.

وقال ان الدراسات بينت أنه من الممكن ضخ 100 مليون متر مكعب من المياه سنوياً وبدرجة عالية من الدقة ولمدة خمسين عاما.

وأضاف أنه في حال نقل المياه إلى عمان وبدء تنفيذ المشروع فيجب على الحكومة إيقاف آبار هذه المزارع وعدم التجديد لها مهما كلف الأمر للمحافظة على استدامة مشروع جر مياه الديسي إلى عمان مشيرا إلى نظام مراقبة المياه الجوفية للعام 2002 وما جرى عليه من هجمة شرسة ومؤامرة لإفشاله لصالح المزارع الموجودة في الديسي وعدم امتثالهم لتطبيق بنود النظام.

واشار إلى دراسة أخرى قدرت كلفة م³ بحوالي 44 قرشا. وتم الانتهاء في منتصف عام 1997 من تحضير التصاميم النهائية ووثائق العطاء لتنفيذ المشروع على الطريقة التقليدية بمعنى أن تقوم الحكومة بالاقتراض لتنفيذ المشروع وتبقى الملكية للحكومة ممثلة بسلطة المياه إلا أنه ولظروف ومتطلبات برنامج التصحيح الاقتصادي الذي كان تحت إشراف صندوق النقد الدولي بعد الهزة الاقتصادية الكبيرة التي تعرض لها الأردن عام 1989، لم تستطع الحكومة الاقتراض لهذا المشروع بسبب السقف المتدني لإمكانية الاقتراض من قبل الحكومة والذي كان آنذاك بحدود 400-500 مليون دولارسنوياً في تلك الفترة بالإضافة إلى عزوف الممولين عن تمويل مشاريع المياه غير المتجددة بسبب تعارض هذا الموضوع مع كثير من قوانين البيئة للدول المقرضة والمانحة.

وبناء عليه توجهت الحكومة إلى محاولة تنفيذ المشروع على طريقة (BOT) أي البناء والتشغيل ونقل الملكية بعد أن يقوم القطاع الخاص بجلب التمويل وتشغيل المشروع لمدة 25 عاماً يتقاضى المشغل بالمقابل عوائد مالية لكل متر مكعب من المياه يتم نقله من الديسي إلى عمان.

وفي النصف الثاني من عام 2001 وفي عهد حكومة م.علي أبو الراغب قررت الحكومة المضي بإجراءات طرح العطاء على طريقة (BOT) على أن تساهم الحكومة بمبلغ 200 مليون دولار من تكلفة المشروع كمنحة وذلك لخفض تكلفة المتر المكعب الواحد من المياه ليصبح في مقدرة المواطن العادي على الدفع مع زيادة بسيطة على تعرفة المياه. وبناء عليه فقد تم طرح العطاء وتقدمت عدة شركات للتنفيذ بقي منها شركتان إحداهما بقيادة مجموعة البنك العربي والأخرى بقيادة شركة سعودي أوجيه.

وفي بداية العام 2003 تم إعلان عرض ائتلاف شركة سعودي أوجيه الأقل سعراً من حيث المبدأ وبدأت المفاوضات مع هذا الائتلاف لتوضيح بعض القضايا الفنية بما في ذلك خفض سعر المتر المكعب الواحد الذي كان بحدود (89) قرشا وحسب العرض المقدم من الائتلاف الفائز. وتم صرف النظر عن السير بالمشروع على طريق (BOT) إلا أن هذه الطريقة ذات الجدوى الاقتصادية والمالية والأرخص من كافة البدائل الأخرى لم يكتب لها النجاح والسبب يعود إلى دخول صندوق المشاريع التنموية والاستثمارية (DIP) التابع للقوات المسلحة بمقترح لتنفيذ المشروع على طريقة BOT وعرض سعر لإيصال المتر المكعب الواحد من المياه إلى عمان بدون أي تفاصيل فنية أو مالية ووافق مجلس الوزراء آنذاك وبتاريخ 4/1/2005 على تكليف صندوق المشاريع التنموية والاستثمارية التابع للقوات المسلحة بإعداد دراسة الجدوى الاقتصادية خلال مدة شهرين على الرغم من عدم موافقة وزارة المياه والري على مقترح الصندوق إلا أن الصندوق لم يستطع تقديم عرض فني ومالي وتمويلي لتنفيذ المشروع، مما حدا بالقائمين على هذه المبادرة إلى الطلب من الحكومة في شهر 7/2005 لإعادة المشروع إلى وزارة المياه والري لتنفيذه بالطريقة التي تراها مناسبة. يذكر أن موضوع إحالة المشروع على الصندوق وشركة موارد منظور حالياً أمام محكمة أمن الدولة كون هنالك مبالغ كبيرة تم إنفاقها خلال مرحلة الدراسة تلك تفوق بأضعاف كلفة أي دراسة متشابهة إلا أن هذا التأخير قد أضاع على الوزارة فرصة التنفيذ بالطريقة التقليدية وهي الأرخص، مما دفع الوزارة إلى طرح العطاء على طريقة ال BOT مرة أخرى على الرغم من كل المأخذ المالية والفنية والتعاقدية والإستراتيجية على هذه الطريقة وتم بالفعل إحالة المشروع في منتصف عام 2007 على شركة جاما التركية وبكلفة تصل إلى 944 مليون دولار، وبسعر يقارب بالمعدل 90 قرشا للمتر المكعب الواحد كمعدل للسنوات الست الأولى من العقد ثم يصبح سعر المتر المكعب الواحد بحدود 96 قرشا للمتر المكعب الواحد واصل خزانات دابوق وأبو علندا، علماً بأن أي زيادة في سعر الكهرباء أو المحروقات سيقوم مقاول الـ BOT بإضافتها.

هذا ومن المتوقع أن يبدأ ضخ المياه من المشروع إلى العاصمة عمان ومحافظات الجنوب في العام 2013 وحسب تصريحات وزارة المياه والري، ولا بد من التنويه أن وصول هذه المياه عالية الكلفة إلى عمان تحتاج إلى عناية فائقة وإدارة حصيفة من حيث التوزيع داخل العاصمة عمان وإعادة توزيع المصادر الأخرى التي تضخ إلى عمان لاستخدامها في حل مشكلة المياه في الزرقاء وإربد شريطة تقليل الضخ الجائر من الأحواض المنكوبة مثل حوض الأردن وحوض عمان- الزرقاء الجوفيين.ويبقى التحدي الآخر المتمثل بكيفية إيجاد الدعم المطلوب لهذا المشروع من قبل وزارة المياه والري ووزارة المالية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

كما اشار إلى ما تضخه الشركات الزراعية العاملة في حوض الديسي علما بأن هذه الشركات حصلت في منتصف الثمانينيات على عقود لمدة خمسة وعشرين عاماً وبدون منافسة لزراعة الحبوب ولكن في الواقع تمت مخالفة بنود هذه الاتفاقيات وقاموا بالتركيز على زراعة محاصيل أخرى مثل البطاطا والبصل وأصبحوا يشكلون منافسة قوية في مناطق أخرى من المملكة وأهمها مناطق الأغوار. وتتضمن الاتفاقيات مع الشركات الزراعية في الجنوب استئجار أكثر من (100) ألف دونم مقابل إيجاره سنوياً للدونم الواحد لا تتعدى عشرة قروش.

ولهذه الاسباب أصدرت وزارة المياه والري في العام 2002 نظام مراقبة المياه الجوفية بهدف تقليل الضخ الجائر من الأحواض المائية وتم اعتماد آلية للتعرفة تكون تصاعدية كلما زادت كمية الضخ، علماً بأن التعرفة كانت لا تتعدى (5) فلسات للمتر المكعب الواحد مع ضخ (50) ألف متر مكعب لكل بئر بالمجان سنوياً وذلك كون الهدف هو أن يعي المزارع وصاحب البئر أهمية هذه المياه الجوفية وبالتالي التقليل من الهدر ومن الزراعات غير المجدية قدر الإمكان. علماً بأن السنة الأولى من تطبيق النظام بينت أن فقط (20%) من أصحاب الآبار خالفوا النظام بمعنى أنهم قاموا بضخ كميات من المياه تفوق الكمية الممنوحة بالمجان.

كما رفض أصحاب الشركات الزراعية في الجنوب الخضوع لأحكام نظام مراقبة المياه الجوفية للعام 2002 باستثناء شركة ألوفا الزراعية بسبب خلاف بسيط مع سلطة المياه حول الكميات وقراءة عدادات ألأبار أما باقي الشركات فقد رفضت دفع أثمان المياه وتقدمت بشكوى لدى محكمة البداية تطلب التحكيم وبحجة أن هذه الاتفاقيات قد أبرمت مع وزارة المالية ولا يوجد نص في هذه الاتفاقيات يجبرهم على دفع أثمان هذه المياه.

وبدأت القضية تأخذ مجراها في المحاكم الأردنية إلى أن انتهى المطاف بقرار محكمة التمييز في القضية رقم 2263/2004 الصادر بتاريخ 11/10/2004 وفيما يلي نص القرار:

"أخطأت محكمة استئناف عمان وخالفت القانون وخرجت عن الصلاحية المقررة لها قانوناً في الطلب رقم (55/2003) لتعيين المحكم والمحكم الثالث بالتعرض لبنود عقد الإيجار المرفقة رقم (2) من قائمة بيانات المميزة، وبأنه لم يرد نص على الإعفاء من أثمان المياه وليس فيها ما يتعارض مع الأحكام القانونية التي نشأت بصدور نظام مراقبة المياه الجوفية رقم (85) لسنة 2002 ....... ويترتب على ذلك أن سلطة المياه غير مشمولة بعقد الإيجار وأن الخلافات القائمة بين سلطة المياه والمستدعية لا تعتبر من الخلافات المشمولة بشروط عقد الإيجار ولا محل لتطبيق أحكام المادة (3) من عقد الإيجار بإحالة هذا النزاع للتحكيم وبما أن محكمة الاستئناف توصلت لهذه النتيجة فإن قرارها موافق للقانون وأسباب التمييز لا ترد عليه ويتضمن ردها .......... لذلك وتأسيساً على ما تقدم تقرر المحكمة رد التمييز وتأييد الحكم المميز."

وبناء على هذا القرار أوعزت وزارة المياه والري لوزارة المالية للحجز على ممتلكات وحسابات هذه الشركات وبموجب أحكام قانون الأحوال الأميرية حيث صدر قرار الحجز على الشركات في عدد الجريدة الرسمية رقم 4693 والصادر بتاريخ 16/2/2005.

إلا أنه ولسوء الحظ رحلت حكومة فيصل الفايز في 5/4/2005 قبل أن تتمكن وزارة المياه والري من استكمال الإجراءات المطلوبة للحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لهذه الشركات وكلفت حكومة عدنان بدران والتي لم تكن متحمسة لاستكمال الإجراءات لا بل جرت محاولات لإلغاء نظام مراقبة المياه الجوفية للعام 2002 لولا الموقف الحازم لوزارة المياه والري بعدم الموافقة على المساس بنظام مراقبة المياه الجوفية، إلا أن الموضوع برمته قد جمد بطريقة أو بأخرى وبقي الموضوع يراوح مكانه حتى رحيل حكومة عدنان بدران وكلفت بعدها حكومة معروف البخيت وجرت خلال فترة حكومة البخيت الأولى محاولات عدة للتوجه أو القبول بالتحكيم على الرغم من صدور قرار محكمة التمييز سابق الذكر, إلا أن جميع هذه المحاولات باءت بالفشل بما في ذلك الطلب الذي تقدمت به هذه الشركات أمام المحاكم الأردنية لقبول مبدأ التحكيم، إلى أن صدر قرار مجلس الوزراء في شهر أيلول 2011 القاضي بعدم تجديد عقود هذه الشركات بعد انتهاء المدة الزمنية لهذه العقود في العام 2012. ولم يبق الآن إلا تطبيق هذا القرار وإيقاف هذه المزارع بما في ذلك عقد الإذعان الموقع مع شركة رم والذي ينص على تلقائية التجديد والذي يعتقد كثير من الخبراء القانونيين أنه غير قانوني بالإضافة إلى إخلال شركة رم بالعقد الموقع الأهم من هذا وذاك موضوع تلوث المياه الجوفية في حوض الديسي نتيجة للنشاط الزراعي والذي أدى إلى تدهور نوعية مياه الديسي إلى مستويات غير مسبوقة وهو مخالف لقانون سلطة المياه وتعاقب عليه نصوص القانون سابقة الذكر .