بدلا من لعن «الجزيرة» .. نافسوها!

اخبار البلد
كلما ورد اسم قناة «الجزيرة» في مكان ما، وجدت من يلعنها ويتهمها بأنها وراء تأجيج الثورات العربية، ووراء صناعة أحداث كبرى، أو استثمار وقائع صغيرة وتكبيرها، ما يعني أنها أصبحت رقما صعبا في حياة الأمة، وفي تحديد مسار الأحداث فيها، وبالفعل سيكتب التاريخ أن الوطن العربي بعد الجزيرة كان مختلفا عن الوطن العربي قبل ظهورها!.
ما اجترحته الجزيرة لم يكن معجزة، فقد ظهر بعدها من نافسها واختطف منها بعض الألق، ما يعني انه بإمكان أي بلد متضرر من الجزيرة، او يشعر بخطرها، أن يكون له «جزيرته» المحلية أو العربية حتى، كي لا يكون للجزيرة هذا الدور الاستحواذي على ساحة الإعلام!.
ويجرنا الحديث عن ظاهرة الجزيرة إلى مسألة «القوة الناعمة» التي أثرناها في مرة سابقة في غير هذا المكان، وفي هذا الصدد يقول جوزيف ناي وهو مساعد سابق لوزير الدفاع الأمريكي: ليست العبرة في عدد الأعداء الذين تُخضعهم بل في عدد الأصدقاء الذين تكسبهم، إن القوة الناعمة ليست ضعفا بل هي شكل من أشكال القوة، وإن الفشل في دمجها في الاستراتيجية الوطنية يُعد غلطة خطيرة ولعل قوة قناة الجزيرة أبرز تجليات تطبيق مفهوم «القوة الناعمة» في الإعلام تحديدا، حيث لعبت القناة ولم تزل دورا بالغ التأثير في إحداث تأثير جذري في الوطن العربي، خلال السنوات الماضية، فاق في حجمه مجمل «القوى الناعمة» التي استعملها العرب والعجم في بلادنا بأسرها، ويشبه ما تحدثه قناة الجزيرة، حجم تأثير قنوات الإم بي سي، كحصان طروادة لإشاعة الثقافة والمدنية الأمريكية، عبر بث كم هائل من الأعمال الفنية والبرامج والأفلام التي تتغلغل قيمها في عقول المشاهدين تغلغلا سرطانيا جاذبا، وإن كان تأثير الجزيرة أكثر عمقا، خاصة مع الدور التي لعبته في تأجيج نيران الربيع العربي!.
لقد حققت قناة الجزيرة لقطر ما لم تحققه جيوش مدججة بأحدث الأسلحة، ولا مليارات الدولارات التي صرفتها الحكومات العربية على تلفزيوناتها الرسمية، بلا طائل يذكر، ويبدو أن العقل المدبر وراء إنشاء هذه القناة هضم تجارب إذاعات لندن وبرلين الحرة وصوت أميركا، إبان الحرب الباردة، فوظفها في إنجاح هذه القناة التي تعد أهم أداة من أدوات القوة الناعمة في البلاد العربية خلال هذا العصر.. بل إن دولا عظمى كأمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا استنسخت تجربة الجزيرة، فأسست تلفزيونات الحرة الأمريكية وروسيا اليوم، وتلفزيون بي بي سي العربي، وفرانس 24، ويورو نيوز العربية، وربما سكاي نيوز العربية. كما فتحت تجربة الجزيرة شهية دول خليجية أخرى، فأطلقت قناة العربية، التي باتت تنافس الجزيرة في حضورها اليومي في حياة العرب!.
القوة الناعمة الآن أكثر أهمية وفاعلية من القوة الخشنة، خاصة في البلاد التي لا تستطيع أن تمتلك القوة الخشنة لعظم تكلفتها، ويبرز دور القوة الناعمة الآن تحديدا في التعاطي مع حراكات الربيع العربي، ودورها الخطير في توجيهه: تأجيجه أو إخماده، وفي دولة كالأردن، تواجه تحديات هذا الربيع، يبرز التساؤل الكبير: أين صناع القرار من استخدام هذه القوة الناعمة، في التعاطي مع مشكلات الأردن.. في ظل دوام انتقادنا لدور الجزيرة في تأجيج الصراعات؟ والجواب بسيط جدا، إذ يكمن الحل في إنشاء قناة فاعلة على مقاس الأردن، بتكاليف لا تذكر، تهضم التجارب السابقة في هذا المجال، وتكون عنوانا دائما للمواطنين الذين يريدون ان يعرفوا ماذا يجري في الأردن، دون أن يهرعوا إلى فتح قناة الجزيرة أو البي بي سي، أو العربية إذا ما وقع حريق في السلط، أو خرجت مظاهرة في بلعما، أو حادث سير على الطريق الصحراوي!.