حزن وضيق


يقولون بأن هناك مراحل للتعبير عن الحزن ، أولها تبدأ من خلال الدموع ، بحيث تكون المسألة تفريغ للكبت والهم والضيق.

بالنسبة إلي فقد تجاوزت هذه المرحلة منذ زمن ، ففقدان الأم ، والحبي لحين التأقلم مع الحياة الجديدة ، وتعلم الوقوف من جديد "ومداداة" الصبر ، تطلب مني أراقة الكثير من الدموع والتفريغ من حمولات كبيرة من الضيق والكبت بصمت .

في حياتي جربت مرحلة أخرى للتعبير عن الحزن ، فقد نصحوني بتجربة الابتسام كلما شعرت بضيق وحزن ، حتى هذه المرحلة أيضا تجاوزتها ، فكلما تسلل الحزن والضيق الي "لظمت" الابتسامة "لظم" على وجهي ، و"قطبت" كل منفذ يمكن للصراخ والانفعال أن يفلت منه ويتسرب وابتسمت بصمت .

مع الأيام تطورت الحالة ، أصبحت أبكي من الداخل بصمت ، وتحول الدمع الى دم ، أذكر وقتها أن استهلاك " الفاين " قل ، وأصبح لدي كساد في حجم المناديل الورقية

تجاوزت المرحلة تلك ... وتأهلت الى مرحلة جديدة ، أصبحت كلما أشعر بالهم والغضب والضيق ، ألجأ الى الضحك ، أذكر وقتها أن الثورة التي قامت في داخلي تحولت أنذاك الى ضحك صاخب لكن بصمت أيضا ، وتشابهت وقتها مع العصافير السجينة في اقفاصها ، تغريدنا وزقزقتنا وضحكنا، أكيد... ليس فرحا بأقفاصنا.

الآن كلنا نعيش ، بمرحلة جديدة ، فقد تجاوزنا مراحل الصمت والحزن جميعها . لا نعرف ماذا يمكن أن نطلق عليها بعد . ولكن هذه المرة "عشش" الحزن والهم والكبت والضيق فينا كثيرا وتمكن، وأصبح فضائنا خاليا من الهواء والأكسجين .

ملاحظة ... عندما نفقد الهواء نحتاج إلى الصراخ بأعلى الصوت لا البقاء صامتين.



المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com