تقارير سرية في عصر الشفافية !!

يُطلب من مدراء المؤسسات في نهاية العام وضع تقارير سنوية لمرؤوسيهم . هذه التقارير تعتبر تقييما لأداء الموظف خلال عام كامل . وهي هامة للموظف إذ يترتب عليها ترفيعه من درجة إلى أخرى بعدد من السنوات تختلف حسب التقدير الذي حصل عليه . أو الحصول على مكاسب وامتيازات ماديّة . كذلك فهي أحد عوامل التقييم للترقية في الوظيفة العامة أو البعثات والإعارة .
ومن أول الملاحظات على هذه التقارير أنها تتكون من مجموعة من العناصر والتي يصعب قياسها أو ترجمتها إلى أرقام ، فمثلا البند المتعلق بالإحاطة بالتشريعات الوظيفية وفهم أهداف الدائرة ورسالتها والالتزام بقيمها أنّى لمدير عادي المستوى أن يميز بين الموظف الممتاز أو الجيد أو الضعيف . وعليه قس باقي العناصر والتي تحتاج لجهاز لم يتم اختراعه بعد حتى يكون القياس حقيقيا ودقيقا وعادلا .
وثاني هذه الملاحظات أن هذه التقارير توضع في وقت معين من العام على جهد وعمل وممارسات طوال عام كامل ويستمر تأثيرها لعام لاحق . فكيف يتمكن مدير من تقييم عمل الموظف في نهاية العام وأين الكاميرا والسجلات التي تثبت إن التقييم ليس وليد لحظة تجلي أو عكسها عند المدير . سيُقال بأن المدير يحتفظ بسجلات أداء طوال العام وأقول بأن هذه السجلات تكون لإطلاع الزائرين ليس إلا .
وثالثها تعرض المدراء لسلسلة من المساومات والوساطة والضغوط واستغلال النفوذ والمنصب إلا من رحم ربك . وسيتذكر كثير من الموظفين كيف حاول البعض ابتزازهم مقابل حصولهم على التقرير الذي يستحقونه .
ورابعها تدخّل العامل الشخصي وتفريعاتها المختلفة ، وبذلك يكون التقدير المرتفع لأهل الثقة واللباقة . فيصبح التقرير من ضمن الأعطيات والتنفيعات ووسيلة لتبادل المنافع ورد الجميل أو مقابل السكوت على بعض التجاوزات . أما الكفاءة والحرص والإخلاص فآخر ما يُلتفت إليها .
وخامسها أن بعض المدراء وبسبب كثرة الأعباء والانشغال الدائم ( كأم العروس ) فإنهم يعهدون إلى المساعد أو أحد الموثوق بهم من الموظفين فيضع التقارير للآخرين ومن ضمنها تقريره ! .
طبعا هذا لا ينفي وجود مدراء يتقون الله يقيمون بتجرد ويعملون ما يُرضي ربهم وضميرهم وحسب ما يتوافق مع المصلحة العامّة ومصلحة العمل . فالخير لا ينقطع والأخيار لا يُعدمون .
لقد كانت هذه التقارير علنيّة ويطّلع عليها الموظف ويناقش بها قبل أن يقوم بالتوقيع عليها كان ذلك قبل عصر الشفافية والديمقراطية وللأسف أصبحت سريّة في عصر الشفافية فلا تُعرف إلا بعد عام وعندها تكون المعرفة من عدمها سيّان . كذلك ما معنى أن يُسمح للموظف بالاعتراض فقط في حالة أن يكون التقدير متوسط أو ضعيف ؟ لذلك فاني أُطالب ديوان الخدمة المدنية مراجعة النموذج أولا وطريقة أعداده ثانيا وجعله علنيا شفافا ثالثا وأن يوضع من قبل لجنة رابعا . فالمدير الذي لا يستطيع أقناع الموظف بتقديره لا يستحق موقعه .