انشقاق "الإخوان" ووهم الدولة

اخبار البلد 
حتى الآن فإن الإسلاميين لن يشاركوا بالانتخابات البرلمانية المقبلة، ولا توجد في الأفق السياسي مؤشرات للتراجع عن نهج المقاطعة للانتخابات، بل إن مضي الحكومة بمشروع قانون الانتخاب الذي قدمته حكومة الخصاونة الراحلة، وتصريحاتها التي تذهب باتجاه معاكس ليس للإسلاميين فقط، وإنما لقوى الحراك الشعبي، تعزز فرص التشدد داخل الإسلاميين وتدفعهم للقول بأن"هذه الانتخابات ليست أكثر من عملية دعائية، وأن قواعد اللعبة السياسية لم ولن تتغير".من يدير اللعبة السياسية يراهن على وقائع جديدة داخل بيت الإسلاميين، وتنامي حدة الصراع والخلاف بينهم، ويرى أن "الإخوان" مقبلون على انشقاق رأسي بين الحمائم والصقور بعد استئثار الجناح الأخير بالمواقع القيادية داخل الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي.وبمراجعة العقود الثلاثة الماضية منذ عودة الحياة البرلمانية والديمقراطية للبلاد عام 1989، فإن محصلة كل الانشقاقات عن جماعة الإخوان المسلمين كانت صفرا، والأحزاب التي ولدت من رحم الحركة الإسلامية لم يكتب لها النجاح، وظلت واجهات ويافطات ليس أكثر من ذلك، وللأسف جرى توظيفها من قبل الدولة بأجهزتها الأمنية لضرب الإخوان من الداخل، خاصة خلال لعبة الانتخابات البرلمانية.وحتى الشخصيات الوازنة والمحترمة والتي خرجت عن الجماعة، وأكثرهم إما لرفضهم قرار مقاطعة الانتخابات ومشاركتهم فيها، أو لدخولهم الحكومة، فإن تأثيرهم ودورهم تراجع، والأهم أنهم لم يؤثروا في عموم قواعد الحركة الإسلامية، ولم يساندهم تيار ملموس، ولم يخرج بخروجهم مئات ولا حتى عشرات احتجاجاً على إقالتهم أو فصلهم!.التنظير للانشقاق القادم داخل جماعة الإخوان مقلق ومريب، وهو يلمح إلى أن الأغلبية المحتجة والتي ترفض سياسات الإقصاء "الحمائم" و"الوسط الذهبي" لا يمثلون تياراً فكرياً متجانساً فقط، ولكن الأخطر أنهم يعكسون واقعاً "ديموغرافياً"، وعلى هذه القاعدة فإن الفرحين بالانقلاب داخل حزب الجماعة يريدون أن يكرسوا انشقاقا له أبعاد إقليمية جهوية، فيصبح تيار الاعتدال الجديد يمثل بغالبيته الشرق أردنيين، والتيار المتشدد الذي استحوذ بالسلطة داخل الحزب يمثل غالبيته الأردنيين من أصول فلسطينية.شخصيا لا أؤيد صناعة الانقلابات والانشقاقات داخل الأحزاب حتى وإن كانت هناك تربة خصبة لذلك، فهذا السيناريو يعكس أن الدولة لا تريد أن تتخلى عن دورها في التحكم واللعب بالعمل الحزبي، وتريد أيضا أحزابا تحركها كمسرح الدمى.وحدة الحركة الإسلامية باعتقادي مصلحة للأردن، فهي طوال العقود الماضية كانت قادرة على التوازن والتحرك بمساحات التوافق الوطني، وقد ظلت مؤمنة بالدستور ونظام الحكم وتعمل تحت مظلته، ولم تستخدم وسائل غير سلمية في عملها، ولذلك فإن دفعها لأزمة داخلية رؤية تجانب الصواب، ومقاربة التجربة الأردنية بالنموذج التركي مثلا، والاعتقاد بأن الانشقاق قد يصنع زعيما إسلاميا براجماتيا معتدلا مثل "أردوغان" يقود الاخوان المسلمين الجدد للتحالف مع السلطة ليس أكثر من وهم.بدل الرهان على انشقاق داخل الإسلاميين قد ينجح أو يفشل، كان أسهل على الدولة أن تقرن القول بالفعل والعمل لإنجاز إصلاح حقيقي، أكثر من كلام وشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع!.nidal.mansur@alghad.jo