الربيع الأردني .. إلى أين


قد يختلف البعض في التعاطي مع هذا العنوان , فهناك من يرى أن الربيع العربي قد بدأ في الأردن قبل الدول الاخرى ولكنه تعثّر
بسبب الخلاف على ماهية الأهداف والأولويات , وهناك من يعتقد بعدم وجوده أصلا وأن الحالة الاردنية هي مجرد إضطرابات
سياسية لا تتعدى حدود المطالبة ببعض الإصلاحات , وهناك أيضا من يرى بالربيع العربي مشروعا لأعادة الإستعمار وإعادة
رسم الخارطة الجيوسياسية وبالتالي يرى من الواجب التصدي له ومحاريته ظنا منه أن الربيع العربي لم يجلب لمناصريه غير
إنعدام للأمن وإنهيار في المجتمعات وهي حسب ظن الأخير أولى الأولويات وألَح الضروريات .وانا هنا لا أريد أن اتبنى موقفا
أو اُدافع أو اُهاجم لكن كل ما أردته في هذا المقال هو محاولة وضع تصوري الخاص لسيناريو الأحداث القادمة .

بداية أقول أن الأسباب التي قامت لأجلها الثورات في الدول العربية تكاد تتوفر جميعها في الأردن , فمن فقر و بطالة الى فساد
سياسي وإقتصادي ونهب لثورات البلاد وصولا إلى إنفراد للسلطة ومصاردة للحريات وإنتهاءً بتذويب لمفهوم المواطنة الصحيحة
في هويات فرعية تتمايز فيما بينها وفق مبدأ " المعارضة الجاهلة .... والموالاة الحكيمة " أو بالعكس , كل حسب موقفه وإنتماءه
ونظرته للمعارضة والموالاة فإذا كانت الحراكات الشبابية التي تنزل في كل يوم إلى الشوارع والميادين مطالبةً بحل جميع ماذكر
فهذا يعني أن الربيع الأردني هو واقع وليس مجرد نظرية أو تصور .

أما الحراكات الشبابية فلعل أبرز ما يميزها هو إعتمادها مبدأ "اللامركزية الديناميكية" بمعنى أن هذه الحراكات ليس لديها قيادة
واضحة أو تنسيق موحد وليس هناك من يمثلها أو يتحدث بإسمها , هذا من جهة ومن الجهة الثانية هي حراكات تعتمد المناطقية
في التعريف عن نفسها والتعاطي مع الآخرين وقد يكون هذا المبدأ – اللامركزية – هو نقطة ضعف وقوة في آن واحد :
فلو قلنا أن المناطقية في التحرك تعني تفتيت الجهود وهدر الطاقات وترسيخ للهويات الفرعية فهذه نقطة ضعف واضحة , أما اذا
نظرنا إلى التخبط الواضح لدى الاجهزة الأمنية في التعامل مع هذه الحراكات وذلك بسبب عدم وضوح نقاط قوة أو ضعف لضربها
أو إستغلالها فهذه بالتأكيد نقطة قوة للحراكات .

وبعد هذا كله وحسب رأيي أعتقد أن الأيام القادمة ستشهد تكوُّن قيادات ظل للحراك توجههُ فكريا وليس تنظيميا كما سنبدأ بملاحظة
تبلور للرؤية المستقبلية للدولة على شكل شعارات واضحة وصريحة , وهذا سيؤدي بالنهاية إلى نفاذ قدرة المقاومة لدى الدولة
وعجزها عن إحتواء الحراك وبالتالي ستبدأ المطالبات من شخصيات محسوبة على النظام بالتحول الديمقراطي السلمي , وستكون
قضية "العدالة الإنتقالية" من أكثر القضايا الجدلية والتي ستؤدي إلى تخلي بعض الشخصيات عن دورها في اللعبة وتفضيلها
الخروج بأقل الخسائر .
وستشكل الهوية الأردنية وتعريف الواطنه أهم التحديات وأخطر المنعطفات في المسيرة الإصلاحية , فإذا أمكن للجميع تجاوز هذه
النقطة بالتحديد سيكون هناك توافق وطني على شكل الدولة القادم مع تقاسم واضح للسلطة ووضوح للمهام والصلاحيات.
وأخيراً أقول أن مشيئة الله فوق كل مشيئه وحكمه هو الحق .

قال تعالى : قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
صدق الله العظيم