(من بكين إلى عمان).. أمسية ثقافية في مركز الحسين
اخبار البلد
بحضور القائم بأعمال السفارة الصينية في عمان تشن شنغ تشونغ ومدير الدائرة الثقافية في أمانة عمان سامر خير، ألقى رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الشاعر مصطفى القرنة قصائد حملت عنوان: (من عمان إلى بكين)، في الأمسية التي استضافها مركز الحسين الثقافي مساء الأربعاء، وأدارها الزميل الشاعر إبراهيم السواعير.
الأمسية التي جاءت احتفالاً بعاصمة جمهورية الصين الشعبية بكين من منظور ثقافي وأدبي، واشتملت على فيلم وثائقي عن بكين القديمة والحديثة، استهلّها تشونغ بارتجاله كلمةً وضعت حضورها بالعلاقات الثقافيّة والاقتصادية التجارية بين الأردن والصين من واقع النسب والإحصاءات التي أكّدت النموّ المتزايد في التعاون بين البلدين.
أشار تشونغ إلى الصداقة الثقافية بين كتاب الصين والأردن، مبيناً قيمة الثقافة في تعارف الشعوب وتأكيد المشترك الإنساني بين الدّول، وأولى شن أمسية (من عمان إلى بكين) أهميّةً خاصّة، كونها كُتبت بقلب وعقل شاعر أردني زار الصين وتعرّف إلى معالمها التاريخية والحضارية وطبيعتها الخلابة، مبيناً أنّ الشاعر القرنة توافر على ما يؤهله فعلاً لأن ينقل أحاسيسه ويصوغها شعراً معبّراً يدخل في أدب الرحلات، وتحدث تشونغ عن قيمة الاتفاقية الثقافية بين اتحاد الكتاب ونظيره اتحاد كتاب الصين.
بدوره تحدث خير عن مساعي التقارب السياسي بين العرب والصين التي شهدت نشاطاً متزايداً في العقدين الأخيرين، وهو ما يمكن اعتباره أمراً محموداً لتحقيق مصالح الطرفين. غير أن الملاحظة التي يمكن إيرادها على هذا التقارب، كما قال خير، هي أنه ظل محكوماً بدبلوماسية السعي وراء النفط والتجارة، ولهذا فهو محدود في إطار سياسي أو تجاري نخبوي، قياساً إلى العلاقات العربية مع أوروبا والولايات المتحدة.
ضمن هذا الإطار، قال خير، إنه يمكن تصنيف الزيارات الرسمية التي يتبادلها المسؤولون الصينيون مع نظرائهم في الدول العربية التي تقيم مع الصين علاقات اقتصادية وغير اقتصادية نشطة، وتضم قائمتها غالبية الدول العربية، بما فيها الدول الرئيسية الكبيرة والغنية، وكذلك الأمر بالنسبة لتوقيع اتفاقيات التعاون والشراكة بين الطرفين.
وأضاف خير أنّ الطابع شديد النخبوية لهذه العلاقات الرسمية انعكس على العلاقات الثقافية في المستوى الشعبي بين العرب والصين، فكانت إلى فترة طويلة محدودة ورمزية، إلا أنها أخذت بالتطور من بوابة التعليم، إذ توجهت أعداد متزايدة من الطلبة العرب للدراسة في الصين، كما تم افتتاح عدد من معاهد «كونفوشيوس» لتعليم اللغة الصينية، منها واحد في القاهرة، وآخر في تونس. أما في الصين فأقيمت، كما قال خير، أقسام وكليات لتدريس اللغة العربية، لكن ذلك لم يختص بالعربية وحدها، إذ اندرج في إطار جهود تعليم مختلف اللغات الأجنبية في الصين، ضمن مساعي الانفتاح على الخارج.
وذكر خير أنّ من علامات محدودية العلاقات الثقافية بين العرب والصين، ورمزيتها قلة عدد الكتب التي تُترجم بين اللغتين (مثلاً: حتى العام 2004 كان عدد الكتب العربية المترجمة إلى الصينية هو نحو 100 كتاب، بينما الترجمة من الصينية إلى العربية أقل من ذلك)، وهذا ما يجعل هذه العلاقة الثقافية نخبوية هي الأخرى.
أما الطابع النخبوي للعلاقات العربية الصينية، فكما رأى خير، يجعل كل واحد من الطرفين يمثل للآخر ما يشبه «العالم البعيد المجهول»، سواء في مرحلة ما قبل «ثورة الاتصال» التي كادت تجعل العالم قرية فعلاً، أو بعدها، وأهم عامل في هذا المجال هو اختلاف اللغة، وسيطرة الثقافات الغربية على العالم العربي مبكراً، بشكل لا يترك مجالاً متاحاً لدخول ثقافات أخرى. وقد أدى هذا التباعد الثقافي، كما قال خير، إلى أن يتعرّف العرب على أخبار الصين من خلال الإعلام الغربي، وأن يفعل الصينيون، ممن يهتمون بأخبار ما خارج الصين (أي ممن يغادرون واقع الانغلاق على القضايا المحلية، وهي الأكثر أهمية لدى الصينيين، كحالة شعوب الدول القارية الكبيرة) الشيء نفسه، وفي الحالتين، فإن وجود «وسيط ثالث»، يحول فعلياً دون التقارب الثقافي، كما قال خير.
الشاعر القرنة طوّف بحضوره في قصائد متنوعة، منها(أنا والشمس وبكين أصدقاء)، و(أهلاً)، و(أيها النهر)، و(الليل في تشونغ شينغ)، ومماقرأ: (أنا والشمس/ وبكين أصدقاء/ هذه المرة/ لم تحضر الشمس/ حضرت أنا وبكين/حكينا قليلاً/ غادرت بكين/ ثم أنا مضيت .../ما الذي قلته/ في هذا الصباح/ ربما يأتون../ ها هم يمرون/ وحدها شجرة حور/ بقربي تنبأ/ بالغياب/ لماذا لم تصعد الشمس/إلى حجرتها/وسجلت موقفاً/ هكذا إذن.... /تسير بكين/وحدها باتجاه الريح .../ترفع سورها برفق/كي تطل من بعيد
تقول غيمة/كإسوارة في معصم/ إمرأة جميلة/يبدو .../ إلى أين أيتها السيدة .../انشري غسيلك الآن/فوق /سطح البيت ... /لا زال متسع من الوقت/ كي نسير معا/ أيها المغادرون-/ أيها المغادرون ... /إلى تشن تشي ../ في الرحلة القادمة/ مرحى لكم ستجدون الغيم بانتظاركم .../والورد /بانتظاركم ... /سلّموا على نهر اليانغتسي/ وعلى صوفي/وني/ وكل الأصدقاء ... /سلّموا /على جسورها الثلاثة ... /هذا هو المشهد الآن ...
هناك في تشن شي/ يعزف النهر/ سيمفونية الجمال ../ويعلن شوقه/ الكبير للجبال/ يلقي بنفسه متعباً/ إلى المحيط /مسافر /حمل حقيبته ومضى/مسرعاً/ المراكب/ تنتحي جانباً/ تتناجى/ تأخذ نفسها وتمضي/ هذا هو المشهد الآن /القمر/واليانغستي/وتشن/ تشي/ عاشقان/قرب الجسر ينظران).
الزميل السواعير امتحن بالنصّ فرضية أنّ الزميل القرنة معتمٌ، صاحب جوّانيّة كثيرة الفجوات، منهمّة بالأشياء والظواهر وواقع الحال، وهي الفرضية التي لم يركن السواعير، دارس الإحصاء، فيها إلى تحقق بعض شروطها، إذ سرعان ما يقلب القرنة فيها المعادلة بفنيّةٍ متقصّدة، وإن كان اطمأنّ السواعير إلى ثيمة الليل عند القرنة؛ إمّا مطيّةً للشوق والتعب والفشل والخيبة، أو متطلباً للاجتماع، متناولاً متلازمة الليل والشرفة التي تفضي في العادة إلى الحلم والرومانسيّة.
حمّل السواعير الليل نفسيّة مصطفى القرنة وغربته ووحدته وألمه وقهره النفسيّ، الذي يبوح به لذاته من غير تزويقٍ أو رتوش، فقط في الليل، بعد نهارٍ ضاجٍّ بالمجاملات، كما تساءل السواعير عن طائر الفينيق هذا الذي هو في ذهن القرنة ليزداد السؤال درجةً عن هذا الدونجوان المُنتظر الذي تنتظره الحبيبة، أو المدينة، لا فرق، بجانب السور العالي، كما بحث الزميل حائراً أو مشككاً؛ واجداً الشمس، على الأرجح، سطوعاً يضيء عتمة الشاعر، المفترضة منذ السطر الأوّل في النص.
كما وقف السواعير على تأثير القرآن في القرنة، وتكراره السؤال والشمس والنهار الحزين والعتاب، وكلّ ذلك لا يشي إلا بالقليل القليل من الفرح.