دولة قامت مابين سيف الصحراء وسيف الأعداء
اخبار البلد
تعوّد الأردنيون إحياء ذكرى الاستقلال بمزيدٍ من الإجلال لهذا الحدث الوطني الحاسم ،ولقد أكرمني ربُّ العالمين بأن أكون شاهد عين على ست وستين ذكرى عبرت في عمر هذا البلد القابضين أهله على جمر الصدق والثبات،والمعوّدين على الفداء والتضحيات،ورغم كلَّ ما ملأنا به صدورنا من فخرٍ واعتزاز بالموروث الوطني الذي وضعه بين أيدينا ذلك اليوم البهيّ من عام ستة وأربعين،وبقينا نحيي ذكراه في كل عام.، إلا أنّ حلوله في هذا العام كان له طعمٌ آخر ومعنى فاق كل المعاني التي طالما أبحرت في لُجّة النُهى وألقت مراسيها على شواطئ الوجدان.
حاولت ما استطعت البحث عن أسباب هذا التميز في إحساسنا بالحدث،وعن بواعث هذا السيل العارم من المشاعر الجيّاشة التي ملأت صدورنا بالعرفان والامتنان لصانع الاستقلال،حيث بدونا وكأننا عثرنا فجأةً على القيمة الوطنية العظيمة لذلك الحدث،الذي بقي ستة وستين عاما يردد في مكنون سريرته :سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم ، وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ،حاولت الوقوف على السبب فوجدته في متن السؤال الذي طرحته على نفسي أمام بيت الشعر آنف الذكر بقولي: وهل هنالك عام جدّ فيه الجدُّ ،وافتُقِد فيه القمر المنير مثل هذا العام الذي تجمّع فيه كلُّ ما قذف به (عام الربيع)المنصرم من تحديات ألزمتنا العودة إلى الموروث الوطني لنستلهم منه الهمّة والعزيمة فوجدنا ضالتنا في الذكرى السادسة والستين لاستقلال هذا البلد،فرحنا نذهب بعيدا في العمق لنتفكّر بالنعمة التي جادت بها يد الرحمن ،يوم بعث لنا جلّت قدرته بتلك الكوكبة العربية التي انطلقت من بطحاء مكة وردفها الغُرّ الميامين من أبناء الأردن الحبيب الذين أرسوا مع الملك المؤسس قواعد دولةٍ»دعائمها أعزّ وأطول،» أرسوها فأعادوا لهذه الأرض ألقها التاريخي بعدما تحوّلت في زمن بني عثمان إلى منابت شيح ومسافي ريح.
لم يكن استقلالنا الذي عشنا ذكراه بكل جوارحنا مجرّد واقعة تاريخية مرّت بمضاربنا ومضت في طريقها مكتفية بقولنا لها :مع السلامة يا حبيبة.ولا حكاية طوينا صفحتها وما عدنا نتذكرها إلا من العام إلى العام . الاستقلال حالةٌ وطنية تُلزمنا بأن نعيشها في أعماق وجداننا ،وأن نجعل منها بوصلة بيولوجية نزرعها بين الضلوع لتضبط كلّ خطوة من خطانا، وتحدد كلّ هدفٍ من أهدافنا،وترسم لنا جدول أولوياتنا الوطنية. الاستقلال يعني الضمان الدائم لسيادة الدولة وحُرية الشعب وهو الناموس الذي تتجسّد فيه كرامة الأردنيين وإبائهم ،وإكسير الحياة الذي يشحن نفوسنا بالعفّة والسؤدد والكبرياء الوطني ،ويسعدنا القول: أنّ أبناء هذا البلد استأنفوا مسيرتهم الوطنية في الذكرى السادسة والستين للاستقلال بشوط جديد اكتشفوا فيه الذات بعد أن غاب عن ذهن الكثيرين منهم أنّ ذلك الحدث العظيم الذي أوقد شعلته الملك المؤسس عام ستة وأربعين هو الذي حمى هذا البلد من شرور شموله وابتلائه بمخرجات وعد بلفور التي شرّدت شعباً بأكمله من أرض آبائه وأجداده وقدمته لقمة سائغة ًفي فم الصهاينة المغتصبين .
لقد أرسى الملك المؤسس قواعد هذه الدولة ما بين سيف الأعداء وسيف الصحراء وتركها أمانة غالية في أعناقنا دونها خرط القتاد.