هل تلعننا الأجيال القادمة؟

اخبار البلد 
نعلم أن القرار (أو التوصية) الذي اتخذه مجلس النواب بوقف العمل في المشروع النووي الأردني لن يكون نهاية هذا المشروع المصيري لإنقاذ قطاع الطاقة، وإيجاد بدائل حقيقية لاستمرار الحياة على هذه الأرض. لكنه حتما واحد من أسوأ القرارات في تاريخ الحياة البرلمانية، وصفحة معتمة أخرى من صفحات هذا المجلس، ستلعننا الأجيال القادمة جميعا على تمريرها.لعنة الأجيال نسمع صداها القادم من المستقبل مبكرا، وستطال الجميع؛ من صعد برلمانات مزيفة صادرت إرادة الناس، وحرمت البلاد من أبسط أشكال التمثيل، ومن تستر على الفساد ومنحه شرعية الاستمرار والاستقواء، ومن أدخل الناس في غيبوبة أضاعت عليهم فرصة الربيع العربي في بناء إصلاح حقيقي. وها نحن نخرج مفلسين بلا إصلاح سياسي، ولا اقتصاد قابل للحياة.يمتلك السادة النواب المحترمون الحق في إلزام الحكومة ومؤسساتها بأي رؤية للصالح العام إذا ما توفرت المبررات التي تمنحهم الشرعية وإقناع الناخبين، وإذا ما كانوا ممثلين بالفعل لقواعد انتخابية. وبكل صدق وشفافية نتساءل: هل توجه المجلس المناوئ لحق الأردن في امتلاك التكنولوجيا النووية، ينطلق من موقف سياسي مؤهل للحكم بمنظور المصلحة الوطنية وحساب التهديدات مقابل الفرص، أم هو موقف ثأري وشبه شخصي وانطباعي، يعرف المتابعون بعض خلفياته وتداعياته، هذا إذا أخرجنا الموقف الفني من الحسبة، لأن المجلس المحترم غير مؤهل للحكم على هذا الجانب؟بالفعل، المشروع النووي يشوبه بعض الغموض، وهذه طبيعة المشاريع النووية في العالم وعبر التاريخ، إن كانت سلمية أو للأغراض العسكرية، فلا تتوقعوا أيها السادة أن تكون كافة تفاصيلها متاحة للجميع. لكن الغموض الحقيقي والمحير هو مواقف الجهات المناوئة لحق الأردن في امتلاك هذه التكنولوجيا، وطبيعة الاصطفاف الغامض الذي تكون بسرعة على أصداء المعارضة الخارجية لهذا المشروع.الحكومة التي قدمت مشهد الطاقة خلال الأسابيع الماضية بصورة مفزعة؛ باعتباره مصدر التهديد الأول، ليس فقط للاقتصاد بل لمستقبل البلاد بعد أن شارفت كلف الطاقة السنوية على الخمسة مليارات دينار، هي الأخرى تقف موقفا غامضا حول مستقبل المشروع، ومن الواضح أنها انسحبت من الدفاع عنه. هذا الغموض يزيد من وضوح حقيقة الضغوط والتهديدات التي تمارس على الأردن لثنيه عن الاستمرار في تطوير قدرات وطنية في هذه التكنولوجيا. ويتضح ذلك من زاوية أخرى في حالة الصمت الإعلامي، ومن تردد العشرات عن تناول هذا الموضوع الذي يجب أن يقف على رأس الأجندة الإعلامية.الغموض الحقيقي يلف طبيعة الاصطفاف المناوئ لحق البلاد في امتلاك هذه التكنولوجيا؛ فالمعارضة التي بدأت خارجية نقلت ثقلها الى الداخل بشكل مخطط له وآخر غير مخطط، وتلقفها بعض الناشطين في الداخل بوعي وبدون وعي أيضا. ويجب أن لا ننكر حق بعض الأفراد الذين لديهم موقف أيديولوجي بيئي ضد هذه التكنولوجيا، لكن ما هي الروابط العجيبة التي تجمع بين الفئات التي تشكل هذا الاصطفاف الذي يضم عشرات من وكلاء منظمات تمويل أجنبية، وعشرات من البرلمانيين الذين جعل بعضهم "معركة النووي" مسألة شخصية وثأرية مع رئيس هيئة الطاقة النووية؟ المزيد والغموض والتعقيد جاء مع انضمام الحركة الإسلامية للقوى المعارضة للمشروع، بعد سنوات من الدفاع المرير عن حق البلاد في الاستقلال وفي بدائل وطنية. من حق المجتمع الأردني ان يعرف ماذا يجري خلف الأبواب المغلقة؟ وهل هي معركة مستقبل الطاقة أم معركة أشخاص؟ المزيد من الوضوح حول التهديدات والمخاطر السياسية مقابل الفرص؛ فالمعركة الحقيقية وراء الحدود، وهي معركة سياسية أولا وأخيرا، ستلعننا الأجيال القادمة إن لم نخضها