اخبار البلد_ أبرز
سمات السلطة القضائية الاردنية أنها مؤسسة مستقرة، تسير بوتيرة هادئة وروتينية الى
حد كبير وأقصد بذلك غياب النبرة الاحتجاجية والمطالبية في الشأن القضائي، غير أن
هذا الاستقرار والهدوء ترجم من قبل بعض الحكومات الى إهمال وعدم اكتراث بمرفق
القضاء فأسوأ الخدمات هي تلك المتوفرة في مباني المحاكم، وأسوأ بيئة للعمل هي
مباني المحاكم، وترحيل المحاكم من مكان الى آخر قضية تتعلق بمزاج الوزير، لدرجة أن
أحد وزراء العدل السابقين أستأجر مبنى لمحكمة الجنايات الكبرى بايجار سنوي مرتفع
رغم تقارير الكشف المسبق على المبنى والتي أشارت الى عدم صلاحيته إداريا وأمنيا
لهكذا محكمة، وبقي المبنى لعدة سنوات بدون استعمال يذكر دون أن يسأل أحد كيف
ولماذا ومن المسؤول؟؟.
ليحاول أي مواطن أو مسؤول زيارة مبنى دائرة مدعي
عام عمان (قصر العدل القديم) والتجول في الممرات وتأمل الجدران والروائح والغبار
والخدمات الصحية، ولكن عليه أن يتحمل الصدمة التي سيتعرض لها، لدرجة أنني قلت
بأنني لو كنت موظفا هناك لرفضت العمل في تلك البيئة مهما كانت النتائج؟!
ان سمة الاستقرار والهدوء في مسيرة المؤسسة
القضائية فهمت وترجمت سابقا الى محاولات للتغول على استقلال القضاء عبر مشاريع
قوانين واحالات لكبار القضاة الى التقاعد وتصفية حسابات دون أن يسأل أحد عن
الاسباب والمبررات ومع كل تلك المحاولات و ما نجح منها وما فشل ورغم المحاولات
المستميتة لإفساد الادارات القضائية فان ما غرسه الرعيل الاول من شيوخ القضاء من
أعراف وقيم كان له الفضل في حماية مؤسسة القضاء من الانحراف عن مسار الاستقلال
والعدالة.
بالمقابل فان استمرار الفهم المغلوط لاستقرار
القضاء الاردني فتح شهية القوى الليبرالية الفاسدة التي هزمت في محاولاتها الاولى
لاختراق القضاء، الى تكرار المحاولات وجر القضاء الى ساحة الصراعات بين قوى سياسية
واقتصادية دافعها الى ذلك شعورها بأن استقلال القضاء وحياده هما الحصن المنيع
لحماية المجتمع والدستور والدولة وهو بدوره الذي يشكل خطرا على قوى الفساد
والانحراف ..
انهم يريدون قضاء تتفشى فيه الواسطة والمحسوبية..
قضاء تتحكم بعنقه أذرع السلطة التنفيذية ولذلك فقد وقفوا بعناد وصلافة ضد مشاريع
الاستقلال المالي والاداري للسلطة القضائية كما هو شأن السلطة التشريعية، وحاولوا
باستماتة اخضاع النيابة العامة بالكامل لسلطة وزير العدل الاشرافية والقضائية،
وحاولوا خلق وتشكيل الشللية للسيطرة على مقاليد القرار القضائي، كل تلك المحاولات
فشلت فشلا ذريعا أمام وجود مجموع كبير من القضاة الذين تمثلوا سيرة الشيوخ
الاساتذة من كبار القضاة، وكان لثلاثة من رؤساء محكمة التمييز السابقين فضل في حماية
القضاء من أي تدخلات أو اختراقات لسيادته واستقلاله وهم القضاة الاجلاء محمد صامد
الرقاد وإسماعيل العمري ومحمد المحاميد، وقبل ذلك كله كان دعم مؤسسة العرش
المتواصل لاستقلال القضاء سياسة هاشمية ثابتة ترفض أي عبث أو تدخل في السلطة
القضائية التي يحكم رجالها باسم الملك وتوقع قراراتهم بعبارة(صدر وأفهم علنا باسم
حضرة صاحب الجلالة الملك).
رأينا الربيع العربي يدخل مؤسسات قضائية عربية
ورأينا قضاة يحتجون ويعتصمون في مصر وتونس والمغرب، الا أننا نشعر أن ربيع القضاء
الأردني مختلف تماما لأنه ربيع حقيقي دائم وليس موسميا، انه ربيع القيم والتقاليد
الراسخة التي لا تهزها الزوابع ولا تغيرها الطفرات الزائلة، ومع ذلك فان محاولات
هز استقرار السلطة القضائية لن تتوقف فقوى الظلام تخاف نور الحقيقة والعدالة.