أوراق


هذه المرة المئة التي أبدأ فيها بكتابة المقال ، وما أن أبدأ بكتابة أولى الكلمات حتى أعود فأمزق الورقة ، واكتب على ورقة جديدة كلمات جديدة لأمزقها من جديد.


المشهد مضحك حينا ومحزن حينا آخر ، بشكل عام "مقرف" ، فالأوراق المتناثرة في أرضية الغرفة ، لم تكتفي بمزاحمتي بالهواء فقط ، انما فاحت منها الأوجاع والآلام من الكلمات المكتوبة فيها ، بصراحة هناك رائحة للدم .


عن ماذا سأكتب هذه المرة ؟!


يقولون بان أبرز المواضيع هو الحديث عن ارتفاع الأسعار ، لذا فقد حاولت لكني تشتت ، فكل محاولة للحديث عن ارتفاع الأسعار ، كانت تقودني حتما للحديث عن انخفاض سعري كانسان.


كتبت عن كل شيء ، وكل شيء بات حروفا أرهقها الحبر ، وأخنقتها تجاعيد الورق المتبلور والمرمي في جنبات الغرفة .


كتبت عن سؤال البسطاء الممزوج بالهم والمعبق بالضنك ، والملوح بالحزن والقلة " متى بدنا نرتاح " ؟!


كتبت عن الاصلاح والفساد ، ربما حظيت هذه الكلمات بالدعاية أكثر مما حظت به في الواقع ، فعدت أدراجي ، فالقربة "مخزوقة" لا محالة .


كتبت عن صباحاتنا المتشابهة ومساءاتنا المتطابقة ، وعما بينهما ، فما نصبح به نمسي عليه وهكذا دواليك الملل ومجاديف الأرق النفسي ، فقلبت الصفحة ، فالقدر قدر مهما عارضنا ومهما غضبنا ، لذا سيكون الاستسلام أيضا قدر الى أن نحظى بفرصة الحصول على فسحة من قبر .


كتبت عن الطبقة المسحوقة في رحى العالم الجديد ، عن دقيق الصبر وطحين الفقر ، عن المهمشين والمنسيين ، فتكسرت حروفي وطوتني الرحى التي لا ترحم والتي تقتات على طحني وصهري .


كتبت عن الخصخصة والتخاصية وملف التحول الاقتصادي ، ولكني عندما كتبت حسبت حسابا "لأم سلطان" في القويرة ، و "لأبو صالح" في الرويشد ، ترى هل يعرفون ماذا سأعني وعن ماذا سأتكلم ، هل ستفهم " أم العبد" في غور الصافي شيئا من حديث الأرقام ؟!

نعم ... احسب حسابا لهم ، فتلك المفاهيم لم تفهمهم أساسا .


حتى أني عندما حاولت الكتابة عن الفرح وعن الأمل وعن الغد المشرق ، ضحكت على نفسي ، فقد وجدت اني أكتب قصة خيالية أشبه بقصص الغيلان ، فطعجت الورقة وفوق أخواتها رميتها ، فالأساطير باتت قصصا غير مرغوبة ولم تعد تستهوي الصبيان .


ورق متبلور ومكوم في كل مكان ، ضيق وضجر ، واختناق ، كأني أسمع منها صوتا من وجع وأشتم فيها رائحة الألم والقهر والملل .


المحامي خلدون محمد الرواشدة

Khaldon00f@yahoo.com