اخبار البلد
نتابع اليوم القسم الثاني من إجابتنا عن السؤال: هل هناك دولة دينية في الإسلام، وهو ما بدأناه بالأمس، لعلنا نبدد شيئا من الشكوك التي يثيرها الكثيرون حول ما يمكن أن يسمى بالإسلام السياسي!
3-علاقة الدولة بغيرها من الدول:
الدولة المدنية لا تبادر الى اعلان الحروب على غيرها من الدول الا اذا اعتدي عليها. ولا يعرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اعلن الحرب على اي دولة اخرى اللهم الا ان تآمرت على المسلمين واعلنت الحرب عليهم .وقال الدكتور وهبة الزحيلي (عميد كلية الشريعة في جامعة دمشق، وأستاذ الفقه فيها): «الأصل في العلاقات الدولية في الاسلام هو السلم، حتى يكون اعتداء على البلاد او الدعاة او حرمات الاسلام او المسلمين، بفتنتهم عن دينهم. والحرب حينئذٍ ضرورة للدفاع عن النفس والمال او العقيدة، والاسلام نفسه مشتق من السلام، وتحية المسلمين هي السلام، والله هو السلام، والجنة دار السلام، والحياة لا تزدهر إلا بالسلام».و قد حثنا الاسلام على احترام المعاهدات التي تعقدها الدولة مع غير المسلمين قال تعالى: {إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم الى مدتهم إن الله يحب المتقين} (التوبة: 4)، وقال: {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} (التوبة: من الآية 7)، وقال: {والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير} (الانفال: من الآية 72). وحذَّر أيضًا الرسول صلى الله عليه وسلم من ظُلم أهل الذِّمَّة وانتقاص حقوقهم، وجعل نفسه الشريفة خصمًا للمعتدي عليهم، فقال: « مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ « (أبو داود: كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات (2654)، البيهقي: السنن الكبرى، 9/205 ) ، وكان ذلك واقعًا عمليًّا في عهده صلى الله عليه وسلم لأهل نجران.. أنه: « لا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ رَجُلٌ بِظُلْمِ آخَرَ «(البلاذري: فتوح البلدان، 1/78، ابن كثير: البداية والنهاية، 5/66 ولا يشترط في هذه المعاهدات أن تكون خاضعة لقانون الشريعة، بل تكون وفق ما يراه ولي الأمر من مصلحة المسلمين، ويدل على هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حيث صالح النبي صلى الله عليه وسلم، قريشاً في صلح الحديبية، واتفق معهم على أشياء كانت من المصلحة، ولم تكن خاضعة لقانون الشريعة بين المسلمين،
4- عدم تفرد شخص واحد بالحكم :
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعمل بنظام الشورى الذي هو اهم مبدأ من مباديء الدولة المدنية التي تقول بالديموقراطية . (فالحقيقة أنك إذا تأملت وقائع النبى صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبى بكر وسيدنا عمر فستجد أنهم كانوا يلتزمون الشورى دائما مع دائرة محدودة من أهل الرأى والحل والعقد والشورى وكان هذا المجلس فى انعقاد دائم معهم ، فإذا انتهوا إلى أمر لزم الجميع. وإذا كان الحال شديد الخطورة توسع هذا المجلس ليشمل عددا أكبر كما فى حالة إعلان الجهاد مثلا. والكثير من الوقائع والوقائع تشير إلى أن الشورى فى عهد النبوة والشيخين كانت تتم على ثلاثة درجات : يوميا لدائرة خاصة من كبار القوم ومشيختهم (وهو ما يمكن أن يسمى المجلس الرئاسى) ، وعند الحاجة لدائرة أوسع (مايمكن أن نطلق عليه مجلس النواب او الشعب) ، وعام لكل المسلمين عند بيعة الخليفة مثلا (الانتخاب العام). فقد كانت هناك ثلاث درجات من الشورى ولم يكن يأخذون فى أمر من أمور المسلمين إلا بذلك، إلا أن يكون وحيا أوحى إلى النبى صلى الله عليه وسلم. كما أن اعتبار الطوائف والقبائل والفئات سنجد له اعتبارا فى السنة النبوية الشريفة، )...
هذه بعض الادلة على ان الدولة التي اقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي دولة مدنية تحتكم الى مبادئ الاسلام . وفي هذا يقول مؤسس حزب الوفد وهو نواة الاحزاب الليبرالية في العالم العربي سعد زغلول فقال: الإسلام دينٌ مدنيّ ونظام حكم, أثمرت دولته عصورًا من التمدن, هي أنضر العصور, والقول بأنَّ الإسلام رسالة روحية فقط هو هدم لقواعد الإسلام.. كما نشر العلامة الكبير د .عبد الرازق السنهورى.. بحثًا آخر في نفس الموضوع بعنوان: (الدين والدولة في الإسلام) أكد فيه على (أنَّ الدولة جزءٌ من رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم, وأنَّ الإسلام الذي يجمع بين الدين والدولة يميز بينهما في ذات الوقت, فالدين ثابت والدولة متطورة, لأنَّ فيها اجتهادًا بشريًّا قائم على المصلحة والتدبير, وهي – يقصد الدولة – خاضعة لحكم عقولنا وتتطور مع الزمان والمكان, فهي إذًا تابعة للتطور الاجتماعي غير المتناهي ).
هي مقتطفات مما نشر وقيل حول هذا الموضوع، واستقر في الذهن، والباب مفتوح للنقاش والمداخلة، لعلنا ننتهي من لعبة تخويف المسلمين وغير المسلمين من تسلم إسلاميين لزمام الأمور في بلاد المسلمين، خاصة على خلفية ما يجري الآن من سجال في مصر وغيرها، بعد انتخابات الرئاسة!ش